شهد العالم، أمس، إعلان مولد دولة جنوب السودان في عاصمتها جوبا، لتصبح أحدث دولة. وانطوت بذلك صفحة من تاريخ السودان الموحد، الذي بدأ منذ القرن ال18، وسط حضور دولي وشعبي كبير في ساحة تقع أمام ضريح مؤسس الحركة الشعبية الجنوبية جون قرنق بوسط المدينة الواقعة على ضفاف النيل الأبيض. وشارك في الاحتفال الرسمي 35 مسؤولا بين رئيس دولة وحكومة أغلبهم من القارة الإفريقية وبينهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وممثل جامعة الدول العربية، إضافة إلى 3.500 مراقب وصحفي وممثل للمنظمات الدولية وحضور شعبي مكثف للجنوبيين. وسادت أجواء من الابتهاج والنشوة، وسط إجراءات أمنية مشددة. ولم تهدأ حركة الطيران في مطار جوبا منذ الساعات الأولى ليوم أمس، مع تواصل توافد الضيوف. وأدى رئيس جنوب السودان سلفاكير اليمين بوصفه أول رئيس للجمهورية الوليدة، وتعهد بتحمل مسؤولياته واحترام الدستور والقانون وحماية النظام الديمقراطي وكرامة ووحدة شعب جنوب السودان وأصدر عفو عن كل من حارب الجنوب. وتلا رئيس برلمان الجنوب جيمس واني الإعلان الرسمي للانفصال وأعقبه إنزال العلم السوداني ورفع العلم الجديد للجنوب. وشمل برنامج الاحتفال كلمات لكل من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الاتحاد الإفريقي جان بينج ورئيس جنوب السودان سلفاكير والرئيس السوداني عمر البشير الذي تسلم علم بلاده وهنأ جنوب السودان بالاستقلال وقال إن إرادة شعب الجنوب يجب أن تحترم وطالب برفع العقوبات الأمريكية عن بلدة. ونزل آلاف الجنوبيين إلى شوارع العاصمة جوبا، منذ منتصف الليلة الماضية، احتفالا باستقلالهم عن الشمال. وأضاءت ألعاب نارية سماء المكان في وقت جاب فيه السائقون الشوارع رافعين أعلام جنوب السودان، ومطلقين العنان لأبواق سياراتهم. وكانت حكومة السودان في الخرطوم أول بلد يعترف بالدولة الجديدة قبل ساعات من الانفصال الرسمي في خطوة مهدت الطريق لتقسيم السودان الذي كان حتى، أمس، أكبر بلد إفريقي. ويقول محللون إن الأولوية أمام الخرطوم هي التوصل إلى اتفاق يرضيها حول عائدات النفط، حيث إن معظم آبار النفط موجودة في الجنوب. ويتم حاليا اقتسام العائدات بالتساوي. وتوالت الاعترافات بعد ذلك من مصر وجنوب إفريقيا وأمريكا وأستراليا وكندا وفرنسا وروسيا. وجاء انفصال الجنوب بموجب استفتاء على تقرير المصير، يناير الماضي، تمخضت نتيجته عن فوز خيار الانفصال بنسبة كاسحة. وكان الاستفتاء تتويجا لتنفيذ نصوص اتفاق السلام الشامل المبرم بين الطرفين عام 2005 بعد عقدين من الحرب الأهلية الطاحنة التي تعد أطول حروب القارة الإفريقية. ويرى مراقبون أنه رغم فرحة الانفصال، فإنه سيكون على الدولة الوليدة مواجهة جملة من التحديات أولها التعايش السياسي والاجتماعي في ظل اتهام كثيرين للحركة الشعبية وقبيلة الدينكا التي ينحدر منها معظم قادة الحركة بالسعي للهيمنة على الحياة السياسية هناك. ويتوقع أن تعترف الأممالمتحدة، الخميس المقبل، بجمهورية جنوب السودان باعتبارها الدولة رقم 193 في العالم بحضور سلفاكير. يذكر أن آخر مرة شهد فيها العالم مولد دولة جديدة تعترف بها الأممالمتحدة كانت قبل تسعة أعوام عندما حصلت تيمور الشرقية على استقلالها عن إندونيسيا عام 2002. وكانت كوسوفو أعلنت استقلالها عام 2008، غير أن الأممالمتحدة لم تعترف بها حتى الآن. من جهة أخرى، أعلن نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية السفير أحمد بن حلي أن انضمام جمهورية جنوب السودان للجامعة العربية هو حق أصيل لها لأنها كانت جزءا من دولة عربية انقسمت إلى شطرين. وأضاف أنه إذا رغبت الدولة الوليدة في الانضمام إلى الجامعة، فإنها ستتمتع بالعضوية الكاملة بكل ما يترتب على ذلك من حقوق والتزامات فضلا عن تسريع وتيرة تنفيذ المشروعات العربية الكبرى بدولة الجنوب .