تبدو الكتابة مهمة صعبة، لكنها تشفي كثيرا.. رغم كونها عملية معقدة إذ يجب عليك أن تُخرج أفكارا أو أحاسيس من خلايا دماغك في قالب لغوي، لكن الله جعل لنا اللغة مُنقذا ومنفذا وسبيلا لأشياء كثيرة. أن نكتب يعني أن نشفى تدريجيا مما يثقل دواخلنا، أن نكتب يعني أن نظهر للعالم جزءا من تجاربنا بكلمات، أن تكتب يعني أن تعتزل كل شيء إلا حروفك. أن تكتب يعني أن تتطور، أن تكتب يعني أن تتولي مهمة شرفها يتعلق بمدى ما تكتبه. أن تكتب يعني أن تحيى وتنقل تجربة الحياة وتمررها.. أن نكتب يعني أن نكون. لا أجيد الكتابة كثيرا، ولا أجيد قول كل ما أريده كما يكون، لكنني دون الكتابة سأكون كائنا ميتا بلا شك.. لا أعرف ولا أحصي عدد المرات التي أنقذتني فيها الكتابة، وشفتني تدريجيا. لا أعرف كم تدوينة حزينة / محبطة كتبتها وكم شاركتموني الدعم والمواساة عن بعد. لا أعرف كم مرة كتبت لراحلين وكم مرة لأناس لم يأتوا بعد. وكم مرة كتبت وأنا أعرف أني لن أرسل ما كتبته للمعنيّ. لكن الكتابة بحد ذاتها تساعدني كثيرا.. أكتب فأتغير، يخف حمل، يُرمى هم، تزيد سعادة.. أكتب فتتغير أشياء كثيرة. اكتب لأنه في البدء كانت الكلمة ولأن الكلمة تفعل ما لا تفعله الصواريخ، ولأن الكلمة تأثير ولأننا نستطيع أن نجعلها كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. لأن الكلمة تصنع وتهدم وتبني وتدهش، لأن الكلمة تحمل أكثر من حروف مصطفة.. لأن الكلمة أكثر من كلمة. اكتب كل شيء، ما يُقال وما لا يُقال. اكتب رسالة شكر، رسالة عتاب مغلفة بمحبة، اكتب رسالة محبة، اكتب رسالة لغائب لن يأتي أو سيأتي. اكتب رسالة لشخص مستقبلي لا نعرفه لكننا نعرف أنه سيغير منا الكثير، اكتب رسالة لأبنائك عندما يكبرون أو رسالة لأبنائك المستقبليين الذين لم يأتوا بعد، اكتب لزوجتك المستقبلية / لزوجك المستقبلي. للذين هم في حياتك الآن والذين خرجوا والذين لم يدخلوها بعد.. اكتب فما خاب من كتب بصدق. مدونة نوال القصير http: //domo3.us/blog/