وصلتني رسالة جماعية مفادها الاحتفاء بلغتنا العربية، والتعامل بها ليوم كامل دون كلمة من لغة أخرى، وجاء التعقيب سريعا برسالة أخرى، تعتبر هذا الاحتفاء حبا زائفا لأنه ليوم واحد! وتباينت ردود الفعل بين مؤيد ورافض، وما يهم في هذه الحادثة، سؤال يطرح نفسه حول المشاعر، إن كان التعبير عنها بين حين وحين مثار شك في مصداقيتها، أي أننا نحتاج لديمومة البوح، وعطاء مستمر، كأننا في موقف دفاع أبدي عن مشاعرنا. كما يحدث في كثير من المناسبات الموسمية التي نحتفل بها، تجديدا للعهد، ومواثيق الود والمؤازرة، حيث يخرج علينا من يستهجن تجمهر المشاعر في نشوة جماعية، فالعيدان في ديننا الكريم خير مؤشر على جدوى الاحتفاء بأمر عظيم بين الحين والحين، وأنه يستطيع أن يعيد للإنسان نفس الحالة الأولى، من تدفق المشاعر تجاه المحتفى به. ونجد أن الأطفال غالبا يحتاجون إلى تأكيد دوري ومتواصل عن الحب والقبول، وإلا ضاقت الدنيا عليهم بما رحبت، فهم يأخذون مواقف الكبار على محمل شخصي كأنهم محور العالم، وينهج نهجهم أغلب من بقي في تلك المرحلة، محبوس حيث قبله الآخر أو رفضه، ويتعامل بحساسية مفرطة مع كل كلمة تقال، دون أن يضع في اعتباره، تاريخه معه، وطبيعة الموقف، والحالة المزاجية لشريكه، أو صديقه، أو مديره. تلك النوعية مرهقة، والتعامل معها أشبه بالتعامل مع أسلاك كهربائية مكشوفة، بيد مبتلة ومرتعشة، فأي تصرف، مقصودا كان أو بحسن نية، يقلب المكان إلى حفلة جدل وعتاب مرير. والأكثر تعقيدا، أن بعض الكلام دواء، رغم معرفتنا به مسبقا، إلا أن ترديده على مسامعنا، بمثابة الانتقال من مكان خانق إلى آخر منتعش بالهواء، وبعض البشر نشوته سماعية ويحتاج للكلمة، وحاجته تلك، قد تحجب رؤيته عن أساليب التعبير الأخرى، في الحب والمواساة والاحتواء، عندما تكون عملية أكثر منها قولية. وأجمل من ذلك، أن يكون الإنسان وسطا بين القول والفعل، لا يرمي بثقله على أحدهما، إنما يمنح كل باب حقه من التناول، فلا يجفف نبع الكرم، ولا يمارس دور «بياع الكلام».