نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول هل يجب على المرء أن يقتل من أحب ويجهض اللحظات الجميلة معه ليتمكن من العيش بسلام؟! ولماذا إذن وقفت داعية السلام الأم تيريزا موقفا مؤيدا للحب حين قالت: «نحن لا نحب لنمشي.. بل لنطير!». هل على العاشق أن يهرب إلى الجهة الأخرى من الكرة الأرضية فرارا بقلبه؟ أعتقد أن هذا محال! لأنه سيفر جسدا فقط وسيحمل معه الكثير من الأشياء التي تتحرك فيه وتجرفه بسيلها، وإن حاول أن يتملص منها فسترميه إلى أتون الذكريات. وسيستفيق المحب ليجد أن ذكرى من أحب تضيء له الكهوف الدفينة، وتبعث له نداءات من الأعماق، وهو ما أقر به ابن حزم الأندلسي في قصته مع محبوبته المغنية، حيث كان يستمع لها وهي تعزف على العود فقال: «لعمري لكان المضراب إنما يقع على قلبي، وما نسيت ذلك اليوم ولا أنساه إلى يوم مفارقتي الدنيا!». وقد أيده الشاعر بقوله: وهل حقا للحب دورة مثل دورة الحياة.. من الولادة، والشباب، فالشيخوخة، فالموت؟! وأن هذا القلب سيعتريه الفتور أو الشيخوخة ومن ثم سيهرم الحب؟! الذى يحدث أن هذه الدورة تأتي بنتيجة عكسية حيث يتجدد الحب، كما حدث مع الشاعرة غادة السمان حين قالت: «الآن.. وقد تمت دورة الفراق، أستطيع أن أحبك حقا، لأنه صار بوسعي أن أراك بوضوح.. بعد أن أنجزنا معا قاموس الألم ومعجم الخطايا.. وابتعدت تماما عن مرمى النظر». ولكل من يرفض هذه الحقيقة نقول: ما بال البياض الذي يخلفه من أحببنا عندما ترد ذكرى الحبيب الأول أو اسمه إذ يكتشف المحب الحقيقة الموجعة أنه لا يزال قادرا على حب المرأة الأولى، ومستعدا للانغماس والاقتراب من وهج حبها من جديد؟ واستعادت ذكرى الحب الأول هند بنت خارجة فقالت: «وددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيدالله بن زياد، وأشتفي من حديثه والنظر إليه» وكان من أول أزواجها. وجسدته الملكة فريدة ملكة مصر، وزوجة الملك فاروق، فلم تطو محبته حتى بعدما طلقها، فعند وفاته أصرت على رئيس الجمهورية أنور السادات أن يدفن بمصر، وأقامت له جنازة في القاهرة وسمع نحيبها وبكاءها كل من كان بالجنازة! الحب لعبة غير مأمونة المسالك، وعلى من يخوض غماره أن يكون مستعدا بقدرات عالية لأن المحب قد يدفع الثمن غاليا في حال خسارته، فإما القبول بخيار المغامرة والعيش لحظات عشقية مسروقة أو العيش كائنا صخريا!. الحب.. هو السر الجميل الذي نضطر لابتلاعه خوفا عليه من الانكشاف.. هو الهواء الدافئ الذي نمتلئ به ويطير بنا إلى السماء، هو الكوكب الدري الذي يدور بنا في مدار مغلق، هو السكينة التي نتوشح بها خلال الضجيج، هو تلك الارتعاشات التي تضخ المزيد من الدماء لقلوبنا المنهكة. وقد يكون كما قال أنيس منصور «أكلانا بالقلب، لا يمكن هرشه». فوزية الخليوي