الحب.. تلك الكلمة التي تتجدد مع الأجيال, بل تزيدها السنون رسوخا وتتمكن من القلوب شموخا! أطلق عليه العرب ستين اسما وسمي به العجم مدينة بأكملها وهي عشق آباد، عاصمة كازاخستان. إن أجتاحك, سيهزمك ويسطو علي قلبك رغما عنك كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: «وما هو إلا العين بالعين تلتقي .. وإن نوعوا أسبابه والدواعيا». حتى إذا وقعت فى شباكه, فستكون كالذين قال فيهم ابن أبي حجلة: «فهم ما هم؟ «تعرفهم بسيماهم»، قد تركهم الهوى «كهشيم المحتضر»، وأصبحوا من علة الجوى على قسمين: فمنهم من قضى نحبه, ومنهم من ينتظر!». وهيهات أن تتحرر منه؛ لأنه عندئذ يهوي بك إلى سحيقه، حتى من بلغ فيه السبق كالشاعر نزار قباني الذي يعترف بعجزه إذ يقول: «عشرون عاما في دروب الهوى .. وما يزال الدرب مجهولا». ومهما طال بك الزمن، فإنك لا تنسى وقع لحظاته, ولا مرور سكناته, وتظل مأخوذا بجمالية اللقاء, فيحكي ابن حزم الأندلسي قصته مع محبوبته المغنية وهي تعزف على العود هذه الأبيات: «إني طربت إلى شمس إذا غربت .. كانت مغاربها جوف المقاصير»، قال: لعمري كان المضراب إنما يقع على قلبي، وما نسيت ذلك اليوم ولا أنساه إلى يوم مفارقتي الدنيا». باغت الحبُّ الأذكياء واستبد حتى بالفقهاء, فكتبوا أرق المؤلفات في العشق ككتاب «الزهرة» لابن داود, و»طوق الحمامة» لابن حزم؛ ولهذا أفتى حبر الأمة ابن عباس في خبر عشق أحد فقهاء المدينة عبيدالله بن عتبة بن مسعود الذي أنشد: «فلو أكلت من نبت دمعي بهيمة .. لهيّج منها رحمة حين تأكلُه!»، فقال فيه: هذا قتيل الهوى لا عقل ولا قود. ولأجل الحب بذل العشاق الغالي والنفيس, فوجوا أنفسهم في معارك اعتبرت لهم ثباتا, ولعل أكبر قصة يرويها التاريخ عن التضحية في سبيل الحب هي تنازل الملك إدوارد الثامن عن عرش بريطانيا وإمبراطورية الهند بسبب حبه لسيدة أمريكية اسمها واليس سيمبسون، تملكن من قلب إدوارد لكن الكنيسة الإنجليزية اعترضت علي زواجه منها بسبب طلاقها مرتين من قبل، فغادر البلاد مع محبوبته متنازلا عن التاج ليعيش ما تبقى من عمره «أكثر من 36 عاما» في قصر صغير يتوسط غابة بولونيا المجاورة لباريس. ومن العجيب أن هذا القصر اشتراه الأخوان فايد المصريان، المالكان السابقان لمحال هارودز الشهيرة في لندن، بهدف تحويله إلى متحف للحب والذكريات, واصطحب دودي الفايد صديقته الأميرة ديانا له قبل أن يقضيا نحب هذا الحب بطريقة مأساوية! أليس من الأسلم إذن ألا نخوض غمار الحب وأن نحذو حذو ماجدة الرومي وهي تغني: «أنا اعتزلت الغرام».