لا شك أن الجدية سلوك مذهل، يأخذ الإنسان لمرحلة الحسم والجزم في كثير من شؤونه وشؤون الآخرين، وكما أن لكل مقام مقالا، فإن لكل حال سلوكا يناسبه، ولكل مكان مظهرا يليق به، ومن يدرك أهمية معيار الحالة، يعلم أن ذلك من مقومات النضج والاعتدال، ولا علاقة له بتقلب المزاج والنفاق والكذب. ومتى فقد الفرد معياره الخاص به، تأرجحت مواقفه بين المستهجن وغير المقبول، وهو حال الإنسان خلال المراهقة، ومن علق هناك كان الله في عونه، سيقابل ارتدادات قاسية تبعثره، ويتضخم قلبه بالكدمات من جراء رفض الآخرين له، وتجاهلهم الصريح لرغباته ومطالبه. إن معرفة الوقت المناسب للفعل أو التراجع غير ممكن إن كنت لا تتفهم حقيقة الموقف، تحتاج إلى أن تعرف متى يمكنك أن تكون طفلا يستهويه اللعب، وأين يمكنك أن تظهر المراهق الصاخب، ومتى تبقى في موضع المسؤولية كأب أو أم، مهما كان عمرك ووضعك الاجتماعي والمالي والمهني. فالخلط بين تلك الأدوار وتمثيلها في غير مسرحها، يخلق جوا من البغضاء والجدال وتقاذف التهم والتملص من المسؤولية، وكل إنسان يستطيع أن يعيشها متى شاء، إلا أن الصورة المزورة عن الذات والتي رسمها لنفسه وتتمثل في بعض الجمل الدارجة ونسمعها كثيرا وربما نرددها «هذه طبيعتي، تعودت على ذلك، تلك صفة سائدة في عائلتي، لا أستطيع، بعد هذا العمر...» هي صورة بأبعاد غير حقيقية، رسمت على مدى سنين من رأي الآخرين وأقوالهم، ومواقف سابقة ولت وانتهت، إلا أن أثرها يتصاعد مع العمر ويلازمه. لأنها باختصار تعطي شماعة جاهزة لتعليق الأسباب، والبقاء متهيبا على سرير الجمود والراحة، عاريا من كل محاولة للخروج من غرفة البطالة العاطفية والاجتماعية، وانفصال عن الواقع. هل شعرت بأن بعض العبث يبعث في داخلك شعورا خفيا بالخجل أو الذنب؟ كم رغبة لديك مؤجلة لأسباب مفتعلة لا شأن لك بها تتعلق بالآخرين؟ متى آخر مرة لعبت فيها واستمتعت؟ أحيانا التشبث بعباءة الوقار يصيبك بشيخوخة مبكرة تشيب معها أجمل مشاعرك، والخوف على تاج المثالية يمنعك من اكتشاف ما حولك.