أدى اختفاء الهدوء في سورية واستمرار الاحتجاجات غير المسبوقة التي اندلعت منذ منتصف مارس الماضي، إلى أن تكون آفاق الوضع هناك غامضة. كما أدى فرض عقوبات ضدها إلى أن تذهب بعض وسائل الإعلام بعيدا في تكهناتها بشأن مستقبل الوضع في البلاد، معتقدة احتمال تطبيق أمريكا نموذج ليبيا في سورية، وتنفيذ التدخل العسكري الأجنبي. ومع أن مستقبل الوضع يثير القلق، لكن ليس هناك علامات توحي بأن تتحول سورية إلى ليبيا أخرى؛ وذلك لأربعة عوامل رئيسية، أولها اختلاف ظروف الوضع بين البلدين حيث تتميز سورية بنظام حكم ذي أسس قوية، تتوحد فيه جميع شرائح المجتمع، وبه درجة عالية من المركزية، والنظام لديه قدرات وطنية قادرة على السيطرة ومقاومة العدو. في حين أن المجتمع الليبي يتألف من قبائل مختلفة جعلت من فكرة التقسيم الخفية فرصة للتدخل العسكري الأجنبي. ويتمثل العامل الثاني في موقع سورية الفريد والهام حيث كانت تلقب منذ عصور قديمة ب«قلب العالم» باعتبارها جسرا يربط بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. لذا، فإن البيئة الجيوستراتيجية قد تجعلها لقمة قاسية في أفواه الدول الغربية. وقد يؤدي فتح أمريكا حربا على سورية إلى مشاركة إيران وحزب الله اللبناني باعتبارهما عدوين لها، بالإضافة إلى خلق فوضى كبيرة لا مفر منها في الشرق الأوسط. لذلك، ستلجأ أمريكا في المرحلة الحالية إلى المضغ فقط. والعامل الثالث هو تأثير سورية على كامل منطقة الشرق الأوسط بحكم موقعها الاستراتيجي وقوتها الإقليمية والدور الحيوي الذي تلعبه في الحفاظ على الاستقرار والأمن. ويعتبر تخريب سورية تغييرا لنمط الشرق الأوسط بشكل كبير، واحتمال إعادة رسم خريطته بكاملها. وأخيرا، هناك الاختلاف الواضح بين شخصية الرئيس السوري بشار الأسد والزعيم الليبي معمر القذافي، ويعرف الأخير بالشخصية القوية الذي لا يخاف التحدي والانشقاق، في حين أن بشار مهذب ويتوخى الحذر. لذلك فإن عدة دول عربية لا توافق أمريكا على تحويل سورية إلى ليبيا أخرى. ووفقا للعوامل التي ذكرت، فإن التكهنات بشأن هذا الأمر تبقى بعيدة.