لم يختلف واقع الشوارع الوهمية في جدة، أو مكةالمكرمة عن المدن الأخرى. وعلى الرغم من أن الأسماء الرسمية للشوارع باتت في كل جانب، وانتشارها يرى بالعين المجردة من كل الزوايا، إلا أنه لا أحد من السكان يهتم بها، بل أصبح الاسم الحركي هو المتداول، الأمر الذي يجعل علامات التساؤل قائمة، عن السر وراء إهمال الأسماء الحقيقية، وتداول الأسماء الوهمية، وهل من طريقة تعيد إلى الأسماء هيبتها وهويتها المفقودة؟ ما زال شارع الأديب في مكةالمكرمة بحي العزيزية مثار تساؤلات الكثيرين خصوصا سكان حي العزيزية الذي يقع فيه الشارع، الكل يبحث عن ذلك الأديب الذي يرتفع اسمه على قارعة الطريق، فيما عده البعض نموذجا لتقدير الأمانة للأدباء مختزلا في الوصف الكثير من المعالم البارزة. واللافت للنظر أن أسماء الشوارع في مكةالمكرمة تتزين بالورود والزهور وأصناف الفاكهة والتمور، الأمر الذي يجعل المطالبة بالإسراع في إنهاء حدائق الورود من الشوارع مطلبا عاجلا من السكان الذين دعوا إلى وضع أسماء تليق بالمكانة الدينية للعاصمة المقدسة.وطالب المشرف على متاحف جامعة أم القرى والعضو السابق في لجنة وتسمية وترقيم شوارع مكة الدكتور فواز الدهاس، أمانة العاصمة المقدسة بالاهتمام بتسمية الشوارع وأن تسمى الشوارع بأسماء الصحابة أو الوقائع والأحداث التاريخية التي حدثت في العصور الإسلامية السابقة، مستنكرا وجود بعض الأسماء التي أطلقتها الأمانة على بعض الشوارع مثل شارع البرحي وشارع السكري: «وكأنه ليس لدينا موروث أو إرث حضاري لاستخدام مثل هذه الأسماء، فلماذا لا تتم مثلا تسمية أحد الشوارع بشارع عمر بن الخطاب داخل النطاق العمراني لمكةالمكرمة، وسبق أن وضعت اللجنة السابقة تصورا كاملا وآليات عمل منظمة لتسمية شوارع مكة، واعتمدت على أن ترتبط أسماء كل نطاق عمراني لمكة بالعصر الذي نشأ فيه، وإبراز الأعلام من العصر النبوي وحتى العصر الحاضر، كما نطلق أسماء البارزين من الأعلام ممن عاشوا فيها وأسهموا بإسهامات، فهناك شارع عمر قاضي، وشارع عبدالله خياط وغيرهما من الشوارع». وأعاب الدكتور الدهاس وجود أخطاء لغوية فادحة في لوحات الشوارع: «هناك شارع تحت اسم ريع زاخر بحرف الزاي والمفترض بالذال «ذاخر»، كذلك شارع قوز النكاسة والمفترض تسميته قوز المكاسة، كما أن الشرائع ينبغي أن يتم تغيير مسماها إلى حنين وفقا للأحداث التاريخية التي وقعت بها في العصور الإسلامية، وللأسف لا يوجد شارع في مكةالمكرمة يحمل اسم شارع عمر بن الخطاب، ولا أعرف السبب في تجاهل أمانة العاصمة المقدسة تسمية أسماء الشوارع بأسماء الصحابة والصحابيات، والاكتفاء بأسماء أخرى كأنواع التمور أو الزهور أو شارع الوادي وغيرها من الأسماء». شوارع الزهور يشير الكاتب المهتم بالشأن المكي الدكتور شجاع المطرفي أنه تمت تسمية شوارع مكة بأسماء كل أصناف الزهور والورود والتمور، بل وحتى الفاكهة والخضراوات: «فنجد شارع التفاحة والبرتقالة والسفرجل والفل والنرجس والروثانة والسكرية، ومن الوهلة الأولى يتبادر إلى ذهنك وأنت تقرأ تلك الأسماء أنك في مدينة زراعية تحف بها الرياض والحدائق والبساتين من كل جانب، وتنسى تماما أنك في مدينة تقع في واد غير ذي زرع، فهذه القناعة جعلت الإنسان يخجل ويبحث عن كل السبل والطرق للتهرب من الإجابة عندما يسأل أحد عن عنوان منزله». وأشار إلى أن هناك أسماء لأحياء وشوارع وأزقة بمكةالمكرمة تم تغيير أسماءها: «وهذه الأسماء بعضها متوافق مع مكانتها الدينية، وهذا في الحقيقة شيء رائع، إلا أن هناك أسماء للشوارع تم إلغاؤها، ولا أعرف سببا لهذا الإلغاء رغم أن بعضها قديم قدم مكةالمكرمة، وهناك أسماء للشوارع بمكة وأحياء يعجب أي شخص من عدم تغييرها، والعجيب أن أسماء قبائل مكة التي كانت تطلق أسماؤها على شوارع طمست، فهناك شارع ريع بخش، إذ كان هناك مقهى باسم مقهى بخش في ذلك المكان، فهل أطلق اسم هذا المقهى على ذلك الريع ليصبح مسماه ريع بخش؟ كما أن هناك شارع الخنكارية تمت تسميته بهذا الاسم لوجود مقهى باسم مقهى الخنكار، إذ تم إطلاق اسم صاحب المقهى على الحي كاملا، وجبل الشراشف، لماذا سمي بهذا الاسم؟ لم أجد معلومات تفيد عن هذه التسمية، وكذلك جبل السبع البنات، وجبل جحيش، ولكن جبل هندي، أعتقد أن جبل قعيقعان أحد أخشبي مكة، وسمي بجبل هندي لأن قعيقعان لم يرق لهم واسم جبل هندي جاء كما يقال إن شيخا هنديا كان يقيم في هذا الجبل اسمه سراج أو سليمان، عاش ومات ودفن فيه، وسمي الجبل باسمه، وهناك العديد من الأسماء التي تحتاج إلى أن تراجع ويتم اختيار أسماء متوافقة مع قدسية المكان مثل أسماء الصحابة رضوان الله عليهم، وبعض أسماء أعلام مكةالمكرمة، ومن خدموها وأسهموا في تطويرها». وطالب الدكتور المطرفي بدور للمجلس البلدي في العاصمة المقدسة: «ليتنبه إلى مثل هذه الأمور، وأن تعرض عليه قبل أن تقر وتصبح أمرا واقعا مفروضا مثلما هو حاصل الآن في تداخل أسماء الأحياء التي نصبت حديثا في شوارع وميادين أم القرى، كما يقول المثل اختلط الحابل بالنابل». محسوبيات الشوارع يزعم عضو المجلس البلدي في العاصمة المقدسة مبارك عواض القرشي ما عده وجود محسوبيات في اختيار أسماء الشوارع في مكةالمكرمة، كاشفا عن معارضة المجلس البلدي في العاصمة المقدسة كثيرا من الأسماء: «خاصة أن مكةالمكرمة تزخر بالعديد من الوقائع والأحداث التاريخية التي ينبغي أن تسمى بها، بالإضافة إلى إطلاق أسماء الصحابة والصحابيات على أسماء الشوارع، وإضافة جملة رضي الله عنه، وهناك أسماء جديدة قادمة لشوارع مكةالمكرمة صادرة عن إمارة المنطقة، وهناك عضو من المجلس البلدي يشارك في اللجنة المشكلة لاختيار أسماء الشوارع بمكةالمكرمة». ودعا جمعان الزهراني إلى إنشاء مركز أبحاث لأمانة العاصمة المقدسة يكون ضمن اهتماماته إطلاق الأسماء على شوارع مكةالمكرمة، وفق معايير محددة وتبعا للأحداث والوقائع التاريخية التي وقعت في مكةالمكرمة: «المفترض من أمانة العاصمة المقدسة التي تطلق تلك الأسماء على الشوارع أن تحرص على أن تكون تلك الأسماء لعدد من الصحابة والصحابيات رضوان الله عليهم، وأيضا لعلماء الأمة ورموز المكيين من علماء ومفكرين ولشهداء الواجب بدلا من إطلاق بعض الأسماء التي لا تمت بأي صلة إلى مكةالمكرمة مثل شارع العنبر وشارع الضمير وشارع الوادي وغيرها من الأسماء، وأعتقد أن قرابة 25% من أسماء الشوارع بمكةالمكرمة لا تمت بصلة لا من قريب ولا من بعيد إلى العاصمة المقدسة». ويعيب الشاب معاذ بنجر اختيار اسم شارع الأديب: «لماذا هذا الاسم لا يسمى باسم أحد الأدباء المشهورين بمكةالمكرمة، كما أن هناك شارعا معروفا لدى المكيين والعديد من الزوار تحت اسم شارع المنصور، فقد استبدل بهذا الاسم شارع الزهور دون أي تبرير، إلا أنه ما زال متداولا إلى الآن، وأعتقد أن هناك نحو خمسة ملايين حاج ومعتمر يفدون سنويا إلى البقاع الطاهرة مضطرون إلى تداول أسماء شوارع وهمية وغير معروفة، وهو سبب آخر في انتشار حالات الضياع في أواسط الحجاج والمعتمرين، لأنهم يعرفون الشوارع بأسماء رسمية، فيما العامة لا يعرفونها». تغيير قائم أوضح العضو في لجنة تسمية الشوارع بجدة المهندس حسين الهجاري، أنه كانت هناك فعلا أسماء غير مناسبة وجيدة وغريبة، لذلك قامت اللجنة بدراستها واستبدال أسماء أخرى مناسبة ولشخصيات أسهمت إسهامات كبيرة للبلد بها: «بعض الأهالي يستنكرون أسماء لشخصيات غير إسلامية، ونحن حينما نتأكد من صحة ذلك، نغيرها على الفور، والأسماء القديمة سوف تبقى للشوارع القديمة، في حين تطلق على الشوارع الحديثة والجديدة تسميتها بشخصيات حديثة ومعروفة». وأضاف أن أبرز العمليات التي تقوم بها اللجنة هي اجتماعات لمناقشة ودراسة الشوارع الجديدة وكذلك تغيير الأسماء غير اللائقة التي ترفع من قبل جهات عدة كالمجلس البلدي أو المواطنين أو غيرها، إلى جانب أنها وفقا للمعايير تستعرض الطرقات الجديدة وأطوالها، وتقوم بإعداد أسماء لشخصيات كبيرة، ويتخذ قرار تسمية الشوارع بأسمائهم تكريما لهم عن طريق التصويت، وبعد ذلك يتم الرفع للموافقة أو الرفض. وعن تغييب أسماء السيدات على الشوارع استبعد ذلك: «لكن ربما لأن أعلام الرجال أكثر من النساء، ولكن هناك أسماء سيدات لهن إسهامات متعددة وخدمات جليلة تم اقتراح تسمية شوارع بأسمائهن، وتمت الموافقة عليهن، ومتى كانت هناك سيدة تستحق أن نطلق اسمها على أحد الشوارع، فإننا حتما سوف نطلق اسمها على أحد الشوارع الحديثة». وبين أن معايير تسمية الشوارع لا ترتبط بالطول، بل تتم من خلال لجنة التسمية التي تضم أعضاء من مؤرخين وأعيان يعتمدون في تسمية الشوارع على جهات عدة منها لجنة التسمية والصحف والمواطنين وغيرها من الجهات، وتصنيف الأسماء يعتمد على فئات، فالفئة «أ» الرئيسة مخصصة لأسماء الصحابة والعلماء وكبار الشخصيات في البلد سياسيا واقتصاديا وعلميا، في حين أن الفئة «ب» مختصة بالشوارع البينية تطلق تسميتها على علماء ومفكرين وأدباء، بينما فئة «ج» فتسمى شوارعها وممراتها البينية بالأحياء على شخصيات عامة من أصحاب المكانة الاجتماعية والإبداعية». وأشار إلى أن شارع فرمان خان الذي استشهد في سيول جدة لم يغرق شارعه حيث: «رفعنا في اللجنة بإطلاق اسم الشارع عليه والأمانة وافقت، وتم التصويت بالإجماع من قبل أعضاء اللجنة على تسمية أحد الشوارع باسمه» .