في ألمانيا ظهر موقع إلكتروني تبث من خلاله إشاعات وفضائح وأخبار مكذوبة تمس طلاب المدارس وطالباتها أطلقها أشخاص بمعرفات مجهولة يروج من خلاله إشاعات ذكر فيها أسماء لطلاب أو طالبات بغرض الإساءة لهم وإهانتهم أمام زملائهم. وتصدى مديرو المدارس لهذه الإساءات المتعمدة في هذه الصفحة الإلكترونية بإنشاء فرق من الطلاب هدفها مواجهة هذه الإشاعات بإرسال مقالات متنوعة المحتوى تصل إلى خمسين مقالة بشكل يومي لهذا الموقع متضمنة أخبارا ومعلومات عامة وأخبارا طريفة لتشتيت زوار هذا الموقع عن الأكاذيب المنشورة فيه وإغراقه وبالتالي إضعافه. ورغم عودة هذه الصفحة إلى الظهور مرة أخرى إلا أنها لم تعد بالأهمية التي ظهرت بها أول مرة حيث قل عدد الزوار وقلت على إثره الإشاعات, وهذا بفضل الخطة الجيدة التي قام بها الطلاب بمساعدة مديري مدارسهم للتصدي لهذه الحملة المشينة وبفضلهم عادت الثقة والطمأنينة لنفوس الضحايا من الطلاب والطالبات الذين مستهم تلك الإساءات. تذكرت وأنا أشاهد هذه الحلقة على القناة الألمانية حادثة مشابهة وقعت لصديقة في عام 2003 في إحدى الثانويات الخاصة حيث تبادلت طالباتها رسائل إلكترونية تحمل إساءات للطاقم الإداري والتعليمي وكان تعليق مديرة المدرسة «مراهقات خلوهم يعبرون عن نفسهم»، رغم الشكاوى التي قدمتها الموظفات وبلغ عددها 50 شكوى إلا أن المديرة تجاهلت الأمر وطلبت منهن تجاهله أيضا وإلا ستشعر هؤلاء الطالبات بأنهن انتصرن عليهن! رغم موقف المديرة السلبي والمتخاذل إلا أنها تصرفت تصرف من لا يملك أدنى خبرة أو معرفة بكيفية إدارة أزمة قد تتفاقم وتصبح مشكلة اجتماعية وقد تصل إلى المحاكم في حال انتشار هذه الرسائل الإلكترونية وبأسمائهن الصريحة, لكن الموضوع بقدرة قادر تم كشفه وانتهت لعبة الطالبات دون عقاب. لا سبيل للمقارنة بين هاتين الحادثتين ولا بطريقة التصرف في كلتيهما، لأننا ببساطة في مجتمع لا يمتلك ثقافة مواجهة الأزمات وحلها وهو مؤشر خطير يجب التنبه له, فالضرورة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى بأن تقوم مؤسساتنا التعليمية بتدريس وتدريب الطلاب والطالبات كيفية مواجهة الأزمات والتعامل معها وطرق علاجها والتصدي لها. إنه صيانة لأجيالنا وسط كل هذا الكم الهائل من الأزمات على كافة الأصعدة. الأزمة ليست حدثا يمكن التنبؤ به, لكنه يظهر فجأة ويتسبب في متفاقمات خطيرة خاصة تلك التي تمس المجتمع والتي ترتبط بعرى وثيقة مع الأزمة السياسية إذ إن المجتمع هو أساس أي دولة وعمودها الذي يحميها من السقوط وصلبها المتين. وشتان بين الدولة التي تمتلك أجهزة خاصة مدربة وفاعلة ومستعدة لأي مفاجأة وتلك التي ترتجل ارتجالا وتخطئ غالبا في حل أي أزمة طارئة قد تتفاقم في النهاية وتنفجر مولدة أزمات أخرى أكثر خطورة وقد تسهم في إحداث تغييرات على نحو سيئ. هذه الحادثة التي ذكرتها أولا ورغم أنها في حيز اجتماعي صغير إلا أن عملية اتخاذ القرار العاجل والسريع والذكي حد من تفاقهما وتفشيها وساهم أيضا في إعداد جيل واع مدرك لما يحيط به. فهل سنصبح يوما قادرين على مواجهة أزماتنا بطريقة فاعلة بدلا من تقمص دور النعامة ودس الرؤوس في الرمال ونقول «أزمة وتعدي»؟ منى العبدلي – الشرقية «فسيبوك»