قفزت أنباء تشكيل لجنة من بعض الأجهزة الأمنية لملاحقة 12 شركة تأمين أخلت بالتزاماتها تجاه العملاء، من باب الأحاديث الجانبية للمواطنين والمقيمين إلى أخبار بارزة في بعض وسائل الإعلام، وفى المقابل تتحدث شركات التأمين عن مشاكل عديدة تواجه عملها في السوق السعودية رغم ضخامة سوق التأمين الوطني والمتوقع له ارتفاعا إلى 34 مليار ريال عام 2015. حيث تكابد 30 شركة تأمين جملة معوقات تبدأ من ندرة الكوادر المؤهلة وتمر بغياب المعدلات القياسية لتقييم عمق التأمين وصولا إلى ندرة المنتجات الجديدة.. وعلى الرغم من العدد الضخم لتلك الشركات إلا أن ذلك يقابله ضعف في الآليات التي تسمح بإيجاد خيارات حديثة مثل الاندماج بين الشركات التأمينية وعدم تجاهل بند التأمين في عناصر التكلفة السنوية للمشروعات وذلك بغرض الاستفادة من زيادة هامش الربحية. اقتراحات يطرحها الخبراء والمختصون بالشأن التأميني تؤدي إلى السرعة في حصول المواطنين على حقوقهم التأمينية وتأمينهم ضد مخاطر عجز بعض شركات التأمين عن سداد مستحقات المؤمن عليهم.. والسؤال الذي يلخص جملة الآراء ونضعه كانطلاقة.. هو: هل نحتاج في الوقت الحاضر إلى توسيع السوق أم تقليص الشركات العاملة فيه أم كليهما معا. الدكتور فهد العنزي عضو مجلس الشورى والخبير التأميني قال: «السوق تنقصه استراتيجية واضحة تعمل من خلالها المؤسسة، وأنا لا ألوم مؤسسة النقد لأنها جهة تنفيذية، وأن الاستراتيجية المقصودة بها هي جهة عليا تكون تشريعية تملك صلاحية وضع الاستراتيجيات والخطط لتفعيل سوق التأمين في المملكة.. الآن المستفيد الأكبر من هذه السوق هم العاملون في مجال التأمين الصحي من المقيمين غير السعوديين والسعوديين العاملين في القطاع الخاص، وينبغي أن تكون هناك استراتيجية واضحة لتعميم تجربة التأمين الصحي على جميع المواطنين في المملكة. ولفت الدكتور العنزي إلى أهمية خلق مجالات جديدة للتأمين قائلا: «لابد من خلق مجالات ومنتجات جديدة للتأمين كالتأمين الهندسي والتأمين على الممتلكات وما شابه ذلك، ولا بد من توسيع تجربة التأمين ليشمل التأمين على المنشآت والقطاعات الحكومية، وهناك الكثير من القطاعات استفادت من التأمين من خلال التأمين على منشآتها لأن التأمين يعد حفظا للمال العام»، مشيرا إلى أن كثيرا من الشركات العالمية تنظر للسوق السعودية وتتحين الفرص للدخول فيها لكن ينقصها المعرفة الجيدة للسوق، وبالتالي لابد من وضوح في الرؤى حول السوق والجهات الرقابية في المملكة. وحول التشريعات قال: «لدينا نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني صدر عام 1424 وقبله صدر النظام الصحي التعاوني في نفس العام، لدينا أيضا تشريع خاص بجميع أفراد المجتمع، لكن مازلنا نحتاج إلى نظام يؤطر للجوانب الموضوعية للتأمين، ومن مهمة المشرع السعودي وضع قواعد للتأمين تراعي تحديات العصر، فالمملكة أكبر سوق للتأمين التكافلي، ونحتاج إلى أنظمة تؤطر هذا النوع من التأمين ويوضع لها قواعد، وعدم الاكتفاء فقط بالأنظمة التي تنظم الشركات في الجوانب الشكلية. وأوضح أنه كلما زاد معدل الخطر وأصبح الخطر غير متوقع تتردد الشركات في التأمين على الخطر: «وأبسط مثال على ذلك كانت شركات عالمية، شركات إعادة التأمين تمنح بعض الشركات السعودية وثيقة تأمين ضد الأعمال الإرهابية مجانا كنوع من الدعاية، وبعد أن تعرضت المملكة لأعمال إرهابية أصبحت هذه الوثيقة من أغلى وثائق التأمين التي تباع في المملكة، ونفس الأمر لمخاطر السيول والكوارث وغيرها»، داعيا إلى أن يكون التأمين على المناطق المعرضة لكوارث إلزاميا، أي لا يترك التأمين اختياريا. وعن الأنظمة المساندة كنظام الرهن وخلافه قال العنزي إن الرهن العقاري من الأنظمة المهمة جدا وتوفر مناخ أمن للتبادل العقاري في المملكة وبالتالي سيترتب على هذا التداول أو شيوع النشاط العقاري شيوع أيضا في مسألة الإقراض، وهذا يعني أن معدلات القروض سترتفع من أجل شراء البيوت ورهنها: «وهذا سيفتح بابا جيدا لشركات التأمين، حيث ستعوض ضد مخاطر عدم السداد». وحول استيعاب السوق لكل تلك الشركات وتأثيراتها قال: «لدينا عدد كبير جدا من شركات التأمين وتزيد عن معدل الحاجة.. لدينا الآن 30 شركة تأمين ليس لديها إمكانيات بشرية ولا منتجات أيضا متوافرة لكثير من شركات التأمين، وهذا سيخلق منافسة غير عادلة بين شركات التأمين أيضا وسيخلق تنافسا من أجل جلب موظفين وتنافسا على المنتجات وانهيارا في الأسعار وعدم مناسبة الأسعار للتغطيات التأمينية التي تقوم بها شركات التأمين، وهذا يفسر حقيقة سبب مماطلة في التعويضات في سيول جدة، لذلك أدعو إلى اندماج بين شركات التأمين بإشراف مؤسسة النقد، لأن هذا العدد الكبير لا يخدم السوق ولا يتناسب مع حداثة تجربة التأمين لدينا وما ينبغي يجب أن تكون الشركات قليلة في البداية حتى نعزز السوق ونقويه ومن ثم نطرح على مراحل إعداد من الشركات». من جانبه طرح الرئيس التنفيذي لشركة التعاونية للتأمين علي عبدالرحمن السبيهين عددا من المعوقات التي تحد من نمو سوق التأمين بالمستوى المأمول، مشيرا إلى أن خطط العمل لمشروعات الأعمال المتوسطة والصغيرة عادة تتضمن كافة عناصر التشغيل والتكلفة المتوقعة لكل عنصر بما فيها التأمين إلا أن التطبيق العملي للكثير من المشروعات يشير إلى تجاهل بند التأمين من عناصر التكلفة السنوية لتقليل النفقات وزيادة هامش الربحية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض التأمين على الأنشطة التجارية 38 % فقط من المؤسسات التجارية حسب دراسة أجريت على المحال التجارية بالمملكة خلال الأعوام الماضية، وتوقع السبيهين أن تشهد سوق التأمين السعودية نموا كبيرا خلال السنوات الخمس الأخيرة بعد التنظيم وتطبيق عدد من التأمينات الإلزامية: «ومع ذلك لا يزال عمق التأمين في المملكة وهو نسبة التأمين إلى الناتج المحلي الإجمالي في حدود 1 % وهي نسبة محدودة للغاية عند مقارنتها ببعض الدول العربية والنامية والدول المتقدمة، حيث تصل هذه النسبة 13 % في جنوب إفريقيا، و12 % في بريطانيا، و10 % في سويسرا واليابان، و3 % في لبنان والمغرب والإمارات». وتوقع الرئيس التنفيذي أن يرتفع حجم سوق التأمين السعودي إلى 34 مليار ريال عام 2015 متأثرا بارتفاعات كبيرة لتأمينات متعددة مثل الحماية والادخار وتأمينات المشروعات الكبرى، إضافة إلى تأمينات المسؤوليات، وأشار إلى عدد من العوامل التي أثرت في عمق التأمين في المملكة، موضحا أن التقييم الأنسب لعمق التأمين يجب أن يستند إلى الناتج المحلي غير النفطي: «وفي هذه الحالة يرتفع عمق التأمين لأكثر من 2 %، كما أن الناتج المحلي هدف متغير وليس ثابتا فهو يختلف من سنة إلى أخرى». وأشار السبيهين إلى أن أسعار تأمين المركبات في المملكة تقل عن تلك المطبقة في بعض الدول العربية المجاورة والدول الأوروبية وزيادة أعداد الحوادث المرورية واتساع المساحة الجغرافية، ومع ذلك فإن التأمين لم ينتشر في المملكة بالمستوى المطلوب ولا يزال المجتمع السعودي يقبل على المنتجات المالية والمصرفية بمعدلات تفوق كثيرا معدل إقباله على التأمين. وأفاد بأن هناك فرصا كبيرة لم تستغل بعد في سوق التأمين السعودية أهمها تأمين البضائع الذي يعاني حاليا من تركيبة التجارة البينية للمملكة لأنه من ناحية لا يستفيد من واردات المملكة التي تفوق 358 مليار ريال لأن التأمين عليها يتم في دول المنشأ ولم يستفد أيضا من الصادرات لأن 85 % منها تعد صادرات نفطية، مشيرا إلى وجود فرص أخرى يمكن الاستفادة منها في حال التوسع في التأمين على المشروعات الكبرى في المملكة وارتفاع معدلات تأمينات الحماية والادخار من 7 % من حجم السوق إلى المتوسط العالمي الذي يقدر بنحو 57 % من حجم السوق، وكذلك فرض إلزامية تأمين المسؤوليات خاصة المسؤوليات تجاه الطرف الثالث الناتجة عن الحريق وهو ما يساهم في نمو السوق خلال السنوات الخمس القادمة بمعدلات كبيرة. من جانبه يصف الاقتصادي حسن كتبي رئيس علاقات الشركاء «برنامج تمويل السيارات» في البنك الأهلي لواقع سوق التأمين بالجيد ما حدث في جدة كمثال هو أن الأمانة يجب أن تتحمل المسؤولية، فهناك ما هو موجود حاليا ضدها ضمن التشريعات: «وشركات التأمين في أي مكان في العالم كانت ستتحمل مبالغ الخسائر التي تعرض لها المواطنون لو أنها حدثت في بلدانها لأنها تدخل ضمن الكوارث الطبيعية لكن ما حدث في جدة يدخل ضمن الإهمال والخطأ البشري، فمن حق شركات التأمين أن ترفع قضية على الأمانة بسبب الإهمال وتتحمل الأمانة الخسائر». وقال كتبي: «شركات التأمين أين كانت تعمل بنظام عالمي ولها تصاريحها اللازمة في عملية التأمين، ونأتي هنا على مثل «إعصار كاترينا» في بلدة بها تصريف أمطار وسدود، وكل البنى التحتية اللازمة لكن ما حصل كان خارج عن الإرادة وبالفعل تعد كارثة طبيعية لكن الوضع مختلف في مدينة مثل جدة». وحول استيعاب السوق لشركات جديدة قال كتبي: «هناك إمكانية دخول شركات تأمين جديدة بشرط إعادة النظر في نظام التأمين الحالي، وللأسف هناك من يتعمد التدليس والغش للحصول على قيمة التعويض ويحاول النصب على شركات التأمين من خلال إتلاف ماكينة السيارة عمدا على سبيل المثال، ومن هذا الواقع فإن على الجهات المختصة إيجاد آلية ومرجعية قانونية لعملية مقاضاة العميل .