هل سيكون حال الشتاءات القادمة كحال ما نحن نعيشه في جدة هذه الأيام؟ في كل عام تصرخ الألوف من الأسر وتتحطم عشرات الألوف من السيارات ويموت أناس لا عد لهم ولا حصر.. ونبقى نبكي ونعيد ونولول ونتهم ونطالب.. وبعد ذلك، ننسى! تتكرر نفس المأساة.. نفس الكلام ونفس المطالبات.. المسؤولون وما أدراك ما المسؤولون! جدة تشكل حلقة ضمن سلسلة.. خرزة ضمن سبحة.. طوبة ضمن بناء.. كله مبني على أساس هش! من الأساسات.. ولأناس ربما ماتوا من سنين طويلة.. أصدروا الأوامر ونفذت وأنشئت مشاريع وهمية وتسلم المقاول أمواله وذهب. أول ما نحاسب.. علينا أن نحاسب أنفسنا، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة.. ونحن نعلم أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا.. فلا براءة لأحد كلنا مذنب وكلنا مشترك في الخطأ.. ولا يعني أبدا أن نرمي بالأخطاء على غيرنا، علينا بالعودة لبارينا ولمولانا.. ولا يعني ذلك أن جدة بلد الآثام والمدن الأخرى ليست كذلك.. أبدا. فكلنا جدة وكلنا مع أبناء جدة.. ولا يعني أبدا أن جدة بلد المعاصي والمدن الأخرى بلد الصلوات والزكاة.. فكل السعودية جدة هذه الأيام.. بل ربما ابتلاء من الله سبحانه وتعالى.. وإنما يبتلي الله من عباده من يحب.. وأشد الناس بلاء الأنبياء ثم العلماء ثم الأمثل فالأمثل.. وحين يرى المرء ما أعده الله لعباده الصابرين تمنى يوم القيامة أن كانت كل حياتها ابتلاء. فالصبر الصبر.. والله يقول: «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون». وقد ابتلي المؤمنون في عهد عمر بالقحط حتى عم الجوع في البلاد.. فهل يعني ذلك أن الصحابة والتابعين في ذلك الزمان ليسوا خيرا ممن بعدهم؟ لا وألف لا.. فلا نتألى على الله ونقول على الله بغير علم.. فما أصابنا في أبنائنا وبناتنا في جدة يدمع العين ويبكي القلب ويؤلم أشد الألم.. لنا جميعا كإخوة وأخوات في دين الله قبل الوطن والقربى. في أحياء منتشرة من جدة، يعيش عشرات الألوف من العائلات.. لابد من خطة عاجلة لتأمين قروض وأراضٍ في مناطق بعيدة عن مواضع الأذى والغرق والمصاب.. لا يهمني والله جسر وقع أو امتلأ قدر ما يهمني بيت غرق بكامله.. ذاك وراءه دولة تبنيه لكن من يعوض صاحب البيت؟ من يعيد قيمة أثاث بعشرات الألوف.. من يعيد بناء بيت العمر من جديد! أكثر ما أخشاه أن تتشكل عقدة نفسية متأصلة في جيل افتتحت عيناه على تلك الكوارث.. جيل سيبقى يعالج في قضية الخوف من المطر ومن الغيم والسحاب ربما عشرين سنة أو تزيد.. أو ما يسمى بفوبيا المطر أو الخوف من المطر.. كونه وعت عيناه كارثتين! أسأل الله.. ولا رب لي سواه أن يكون في عون إخواننا وأخواتنا وأهلينا وأصحابنا ومن يعز علينا في جدة.. اللهم الطف بهم وارفع عنهم وأعنهم في مصابهم مدونة: مشاعل العمري