أنا مواطنة عادية أعيش في جدة. حريصة على نظافة جدة وحريصة على تعليم أولادي أن يحافظوا على «العروس». أعمل وأؤدي واجبي على أكمل وجه في خدمة بنات بلدي والجميع يشهدون لي بالإخلاص والتفاني، ومثلي كثيرون وكثيرات، سعوديون وسعوديات، مبدعون ومبدعات، لسنا كسالى ولا اتكاليين.. وفوق هذا كله لي وللعديد ممن أعرفهم أعمال تطوعية، يعني من وجهة نظري المحدودة، أنا وكثير ممن أعرفهم مواطنون صالحون محترمون ومؤدبون.. همنا لقمة العيش وتوفير الحياة الكريمة لأبنائنا رغم صعوبة الظروف المعيشية، نؤدي واجبنا بسلام ونحاول إيجاد تغيير إيجابي قدر المستطاع في دائرتنا الصغيرة. ولكن في موسم الأمطار في جدة التي نعيش ونعمل فيها، تذهب كل جهودنا هباء منثورا لأن هناك مواطنين «كبارا» لا يؤدون دورهم كما يجب، بل لا يؤدون أي دور على الإطلاق سوى إلقاء الخطب والتصريحات والوعود! كثيرون من أهالي جدة الطيبين يريدون محاسبة هؤلاء.. كثيرون يريدون معاقبتهم بإقالتهم من مناصبهم وكراسيهم. أنا لا أسميهم خونة، بل جهلة، ولا أريد محاسبتهم فهم لا يعلمون شيئا، ولا أريد أيضا إقالتهم من مناصبهم. يا جماعة هم لا يعلمون ماذا يجري ولا يشعرون بما يحدث، لا يعرفون معنى الرعب والسباحة لساعات في المياه القذرة الباردة، ولا يعرفون معنى أن تحتجز النساء في أماكن عملهن بعيدات عن أطفالهن، لا يعرفون معنى أن تحتجز أسرة في سيارتها لأكثر من عشر ساعات.. أسرة فيها أطفال رضع وصغار يحتاجون إلى الطعام والحمام والغيارات! لا يعلمون معنى أن يفقدوا عزيزا.. ابنا شابا أو بنتا في عمر الزهور ماتت غرقا ورعبا في ماء قذر وبارد! وبناء على ما سبق أطالب بالعدل.. العين بالعين والسن بالسن! ما أريده هو تبادل الأدوار. هذه ما أريده بالضبط! ما أريده هو الآتي: 1 - ترك كل مسؤول في أمانة جدة في معمعة السيول وفي الزحام الخانق دون «موكبه» لمدة يوم كامل مع من يحبون، على أن يكون كل فرد منهم في مكان مختلف، وعلى أن تسحب منهم جوالاتهم حتى يعرفوا معنى القلق والخوف على أحبابهم. 2 - رمي سيارة كل مسؤول في السيل بحيث تلحقها أضرار جسيمة فيضطر إلى الدفع من «جيبه» لإصلاحها أو لشراء سيارة جديدة «برضو» من جيبه! 3 - إجبار كل مسؤول يمشي في الشارع على الانتباه وعدم الوقوع في أي حفرة لأن «المواطن» يجب أن يكون منتبها دائما! 4 - وبعد أن ينقذ كل مسؤول رجلا حقيقيا من أبناء الشعب البسطاء، نعطي لكل مسؤول علبة فيها «حبة جبنة كيري» وخبز جاف، على أن نجبره على الاستماع لخطبة عصماء يلقيها عليه أحد المواطنين الشرفاء، خطبة ليس فيها وعود، بل رعود وتهديد بأن يلزم بيته عند المطر حتى لا يتعبنا ويقرفنا ويقول غرقت في المطر. «هذا الطلب الأخير في منتهى الكرم والأخلاق!». صعبة يا مسؤولين تنزلون الشوارع؟ صعبة تحسون بالخوف؟ صعبة تعيشون مشاعر إنسانية ليوم واحد في حياتكم؟ صعبة تنسون الفلوس ليوم واحد؟ صعبة تنسون الكراسي ليوم واحد؟ أما مقابل الأرواح التي أهلكت بسبب إهمال بعض المسؤولين، فأعتقد بعد أن يمر أحدهم بتجربة فقد عزيز يحترق قلبه عليه، بعد هذه التجربة القاسية سيهرعون لإصلاح الشوارع و «ينكتموا» للأبد من دون الإدلاء بأي تصريحات حتى نرى فعلا وتغييرا حقيقيا! يا مسؤولون.. بصفتي مواطنة تعمل للوطن «بأمانة»، أطالبكم بالآتي: خذوا إجازة سنة وروحوا ادرسوا في الدول المتحضرة حتى تتعلموا كيفية بناء الأوطان وتفادي الأزمات والتعامل معها لو حصلت، ويا ريت تذاكروا كويس حتى تنجحوا في اختبار «الأمانة والمسؤولية»! يا مسؤولون.. لا نريد أن نسمع أصواتكم ولا نقرأ تصريحاتكم.. نريد أن نرى أفعالكم تعيد للعروس رونقها. يا مسؤولين.. انزلوا الشوارع وعيشوا معنا أو بالأصح موتوا معنا.. اغرقوا معنا.. اتبهدلوا معنا! وسنفتح لكم قلوبنا ونقول.. مرحبا بكم في جدة الحقيقية! بدون تحياتي: مواطنة أصبحت قليلة أدب مدونة: مها نور