غاب في مشهد جدة العديد من حكايات الصمت، وقصص ما خلف الكواليس في مطر الأربعاء الماضي. في أحياء جدة العتيقة غاب التاريخ في حارة الشام والمظلوم، وتاهت معالم بيت نصيف والبسيوني، وقرب شارع فلسطين، اختلطت أجهزة الجوال مع حافظات نقود الغرقى، وضاعت تجارة بسطاء كانوا يحلمون بيوم مربح، أجلوا نداءات أهاليهم لهم كي يستريحوا من عناء يوم ممطر، وفيضان شارع يحتضن ذكريات مؤلمة. في التحلية ضاع الشباب الذين كانوا يتوقعون أن يسيروا ولو ساعة واحدة تحت المطر، وفي الجامعة أكد بعضهم أن هناك من سيوقف أبناءه عن مواصلة التعليم في جامعة تغرق أكثر مما تنجو وقت المطر، دهاليزها باتت محاضن للغرق المجهول. وفي قويزة جددت الأمطار أحزان العشرات الذين دعوا ألا يكون لدى آخرين مثل حجم معاناتهم في سيول الحج. يؤكد وائل السلمي الذي كان ينتظر زميلا له في الجامعة ذهب للمراجعة في إحدى الكليات، أن طلابا فقدوا بطاقاتهم الجامعية، وصارعوا الغرق ولم تنقذهم سوى نخيل الجامعة التي وجدوا في هاماتها عاصما من المياه التي أتت وهي تحمل أحجارا وترابا وأغذية وكل شيء، وكانت كفيلة بقتل من أمامها، لأنها جاءت بكمية من الأدوات المعدنية والصخرية. جهات حكومية كافأت محتجزين بانتداب ثلاثة أيام، فيما أخرى لم تعلم مصير موظفيها، إلا بعد أن اتجهوا إلى مسؤوليهم ليسردوا لهم قصة الغرق والاحتجاز. غرق المعاملات يقول عبدالرحمن الغامدي إنه ذهب أمس إلى المحكمة فأكدوا له أن معاملته غرقت مع غيرها من المعاملات، فما كان منه إلا أن عاد من حيث أتى «هل نحن بحاجة إلى إحباط وتعب؟ أسرتي في شقة مفروشة، وابني تاه يومين في المطر، وآخر يعالج من كدمات المطر، وقضيتي ضاعت، وأصبحت مثل ضائع أضاع ضيعته». كما تكبدت وكالات السيارات خسائر مؤلمة من جراء وجودها في شارع فلسطين، لم يحمها الزجاج ولا الحديد ولا الأسوار. ففي مباني المكاتب التجارية بشارع حائل، غمرت المياه معاملات اقتصادية ودراسات استشارية، كما لم يفلح أصحاب المطاعم في الظفر بغلة يوم ممطر، غرق الزبائن مع وجبتهم، غرقوا وهم يأكلون. يدعي العديد ممن عاشوا اليوم العاصف المطير أن هناك حالات إغماء وغيبوبة من جراء ارتفاع السكر والضغط لدى مسنين، لم يصمدوا أمام ويلات السيل في مدينة لم تصمد بنيتها التحتية أمام المطر. .