كشفت نسب حوادث الانتحار المعلنة أخيرا عن هوة عميقة فصلت بين المنتحرين ومحيطهم بشكل تقطعت معه كل سبل الحوار والاحتواء، وذلك ما دفع المختصين إلى الدعوة إلى إعلاء القيم الدينية والأسرية في نفوس الأبناء وزيادة الجرعات التوعوية بخطورة اللجوء إلى الانتحار توهما أنه سيحل مشكلة ما أيا كانت اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية. وكشف إحصاء صدر أخيرا عن بعض الباحثين في قضايا الانتحار في اللجنة الوطنية لمساعدة السجناء والمفرج عنهم وأسرهم بعسير أن نحو 35 % من حالات الانتحار المسجلة ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية كالاكتئاب والفصام والإدمان، فيما 65 % يرجع إلى عوامل متعددة مثل التربية وثقافة المجتمع والمشكلات الأسرية أو العاطفية والفشل الدراسي والآلام والأمراض الجسمية أو تجنب العار أو الإيمان بفكرة أو غيرها. وكانت منطقة عسير شهدت الفترة الأخيرة عددا من حوادث الانتحار بين الجنسين، وكان اللافت فيها وجود حالات انتحار لأطفال وهو أمر وصفه بعض المختصين بالخطير فقد سجلت المنطقة قبل فترة ليست بالطويلة حالتي انتحار لصبيين في مقتبل العمر الأول يبلغ من العمر 14 عاما أقدم على الانتحار شنقا بحزام بنطاله في منزله بحي الرونة بخميس مشيط وسارع ذووه إلى نقله إلى مستشفى القوات المسلحة إلا أنه ما لبث أن فارق الحياة، والآخر لم يتجاوز 11 عاما انتحر أيضا بربط عنقه بشماغ في مقبض باب خشبي بمنزله في أبها. طلقات قاتلة وأجمع عدد من أقارب المنتحرين ل«شمس» أن هموم الحياة ومتاعبها كانت القاسم الأعظم المشترك بين المنتحرين. وأوضح علي المالكي إن شقيقه «46 عاما» انتحر شنقا قبل 15 عاما إلا أن حسرته لا تزال متقدة « كان يعاني كثيرا من هم الدين بعد أن تم الاستغناء عنه من إحدى الوظائف الحكومية التى كان يعمل بها على بند الأجور وظل يكابد متاعب الحياة وهو يعول أسرة مكونة من سبعة أطفال إلا أنه وصل إلى مرحلة لم يستطع معها أن يقوم بدوره فودع الحياة بطلقات من مسدسه بعد أن ترك لهم رسالة وداعية محزنة بقيت على سريره». وأضاف «أشعر بالذنب لموته هكذا لأننا والمجتمع بشكل عام لم نكن نقدر ظروفه القاسية ولم نكن نهتم بمساعدته ماليا أو عينيا أو حتى السؤال عن أحواله». مشيرا إلى أن هذه الحادثة دفعتهم إلى تكوين صندوق خاص بأفراد القبيلة وتخصيص لجنة لمتابعة أحوالهم لتجنب ما أقدم عليه شقيقه. تعادل اجتماعي من جانب آخر أرجع استشاري الطب النفسي الدكتور يوسف آل بريق الانتحار إلى عدة أسباب قد تكون وقتية ظرفية حيث يعيش الفرد بعض الأحداث البسيطة ثم تزداد حدتها سواء كانت تتعلق بعلاقاته مع أسرته أو مع الآخرين، وهناك التفكك الأسري وما يصحبه من ضياع وتشتيت للأبناء في ظل غياب الرقابة والمتابعة لهم وقبل ذلك غياب الحنان والعاطفة الأسرية، وكذلك الأسباب الاجتماعية. وقال إن بعض الدراسات أظهرت أن المراهقين الذين ينتحرون أو يحاولون الانتحار ينتمون إلى جميع الطبقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل متعادل، فيما يؤثر عامل السن فقط في حال شكل ذلك انعكاسا لمشكلات عاطفية «السبب الاجتماعي الأكثر تأثيرا يرجع إلى الفشل المدرسي الذي يعيشه المراهق كونه جرحا نرجسيا عميقا وما يزيد في خطورة هذا العامل موقف الأهل الذين يسقطون الآمال على أبنائهم ويأملون تحقيق ما لم يتمكنوا من تحقيقه من خلالهم فيلجأون إلى استعمال القسوة والقوة للوصول إلى ما يبتغون, وهكذا فإن الفشل المدرسي يشكل نقطة التقاء ظروف سلبية وشكل خاص من التوظيف والتأثير القمعيين». وطالب آل بريق بضرورة عمل ندوات خاصة في المدارس وعبر منابر الجمعة وأئمة المساجد بخطورة الانتحار وعقوبة ذلك في الآخرة وضرورة إيجاد حلول لهذه المشكلة التي انتشرت في المجتمع وأصبحت ظاهرة مقلقة. وطالب الأسر بمتابعة أفرادها بشكل دقيق وملاحظة أي تغيير يطرأ عليه وتحويل الأسرة إلى حلقة نقاش مفتوح بين أفرادها. الوازع الديني من جانب آخر شدد الداعية موسى عسيري على خطورة الانتحار كونها جريمة اعتداء على النفس التي جعلها الله تعالى أمانة عند صاحبها. «لا شك أن تزايد نسبة حوادث الانتحار في مجتمعنا يعد أمرا طارئا وغير مقبول لا سيما أننا نعيش في مجتمع مسلم يحترم النفس الإنسانية ويحرم قتلها أو تعريضها لأي نوع من أنواع الإيذاء القولي أو الفعلي انطلاقا من تعاليم الإسلام وتوجيهاته العظيمة التي نهت عن ذلك وشددت الوعيد لمن يأتيه أو يسهم فيه بأي شكل من الأشكال». وأكد أن السبب الرئيس في الانتحار هو ضعف الوازع الديني عند الإنسان وعدم إدراكه خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكبرى التي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة إضافة إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة. وأشار إلى أن كثرة المشكلات الأسرية تترتب عليها نتائج مؤسفة مثل التفكك الأسري وانتشار بعض الظواهر الاجتماعية السلبية التي من أبرزها جريمة الانتحار