لدي اهتمام كبير بالحريات على مستوى العالم، وهذا يعكس شيئا بداخلي، شيئا يجعلني غير راض عن مستوى الحرية في وطني والسبب ليس حكوميا، فحكومتنا لا تمارس القمع ولا تكبت الرأي، بل على العكس هنالك حالة أصفها ب «فوضى حرية رأي» موجودة في السعودية ليس للحكومة أي يد فيها، فطرفاها تياران ناريان كل منهما يريد فرض رأيه أو المحافظة على بعض من مصالحه التي ربما يفقدها لو سيطر التيار الآخر على الرأي العام. وهنا السكوت الرسمي يفهم خطأ على أنه تأييد للجدال والسجال الحاصل في السعودية بين التيار الليبرالي والتيار الإسلامي - وهناك الكثير من التسميات لكل تيار ستتعب في عدها –. فالقضايا بين التيارين لا تنتهي ولعل «المرأة» تعد أسخن قضية يتجادل فيها الطرفان، حتى لو ارتفع سعر البرقع الذي تضعه المرأة في السعودية غطاء على وجهها لربما اشتعلت حرب بين الطرفين! السجال والجدال له أبطال من الطرفين، صار الجميع يحفظهم بالاسم وينتظر مقالاتهم، إذا كانوا ليبراليين أو حتى آراءهم إذا كانوا إسلاميين، وهنالك صحف في السعودية توصف بأنها ليبرالية أو ذات توجه ليبرالي، وهنالك صحف أخرى لدى كتابها توجه جزئي نحو الليبرالية. ودائما ما تجد كتاب هذه الصحف يتحدثون عن قضية واحدة في مقالاتهم اليومية، وهي لا تأتي بترتيب مسبق بالطبع، لكنهم يجمعهم خصم واحد، إذا صح التعبير، أما الطرف الآخر فهو لا يملك تلك القوة الإعلامية التي يملكها الليبراليون فيما عدا بعض الصحف والمواقع الإلكترونية التي بدأت تفقد بعض شعبيتها نتيجة الأخبار غير الصحيحة التي تنشرها بين فترة وأخرى أيضا من جراء التعصب في الطرح، وهي سمة يتهم بها كتاب التيار الإسلامي لفرض رأيهم بالقوة، لذلك يستعيض بعضهم عنها أحيانا بمحاولة إطلاق فتاوى واستمالة المؤيدين، واتهام التيار الآخر بالكفر والزندقة والعلمانية ومحاولة تغريب المجتمع إلى آخر هذه التهم الجاهزة!. وبنظرة عقلانية لحالة السجال الموجود حاليا نجد أنه أخذ طريقا غير سليم، ولا فائدة ولا طائل منه ولا يعود على المجتمع بأي جدوى، حيث أصبحت الحالة العامة لذلك الخلاف هي تصيد الأخطاء فقط، فكل تيار يحاول اصطياد أي مقالة، تصريح، لقاء، زلة لسان ليضخمها بشكل كبير ويضيف عليها بعضا من الهالة الإعلامية ليأتي رفقاء التيار و«يشيلونها شيلة» كما في صفوف المحاورة! ما يحدث في المملكة من جرأة طرح في الأفكار والانتقاد من كلا التيارين، شيء لا يفسر على أن هناك «حرية طرح» بل هي «فوضى في الطرح» كما قلت سابقا. وربما كان محاولة الحكومة الالتفات لها أخيرا في قرارها المعروف بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء، تعد خطوة مبشرة وجيدة جدا. في الختام أجد نفسي راضيا عن حالة «حرية الرأي» إذا كانت مضبوطة وبتدخل من الحكومة، هنالك بالطبع من سيفهم كلامي خطأ ويقول «كيف تدعي الدفاع عن حرية الرأي، وتطالب بتدخل حكومي؟ جوابي عن هذا التساؤل المتوقع هو أن هذه الحرية أتت دون «عتبات» نمشيها معا «عتبة، عتبة، ثم عتبة، عتبة»، أي تدريجيا حتى نصل للقمة، وهناك قمة حرية الرأي.. لذلك أقول الحرية التي تأتي فجأة هكذا، ربما تذهب فجأة هكذا! سفر بن عياد http://fkker.blogspot.com