كان يقولها وهو جاحظ العينين استنكارا على المواطن الذي لا يحترف سوى الكلام.. الكلام فقط كما يقول: «1500 ريال فقط هي معدل الزيادة في تكاليف معيشة المواطن في السعودية». يقولها وهو يمط وجهه استغرابا: «مبلغ تافه لا يستحق التشكي والبكاء». هذه العبارات قالها أحد المسؤولين في برنامج تليفزيوني يرضي غرور طلته البهية. ربما هذه الألف وخمسمئة لا تعني لسعادتكم سوى فاتورة عشاء في أحد المطاعم الفاخرة، أو هدية ترضية صغيرة لطفلكم المدلل، أو فاتورة جوال ابنكم المراهق، أو حتى قيمة عطر يملأ أنفكم برائحة جميلة. سعادتكم.. عندما تقرر أن تذهب لأحد المولات الفخمة التي يرتادها من هم بمستوى سعادتكم لشراء هدية صغيرة ترضي بها طفلكم الغاضب، حاول وأنت تدخل مواقف السيارات، حاول أن تمعن النظر بمن سيرفع الحاجز لسيارتكم الكريمة، هذا مواطن سعودي راتبه 1500 ريال، ربما يكون راتبه كافيا لهدية طفلكم وربما لا، ولكنه بالتأكيد لا يستطيع إرضاء طفله كما تستطيع أنت، فراتب هذا المواطن يساوي مبلغ الزيادة الذي تستهجن الحديث عنه، وهناك آلاف من المواطنين مثله وعشرات الآلاف يمثل المبلغ نصف دخلهم الشهري أو ثلثه. الحياة هنا ليست بيتكم الفاخر ولا سيارتكم الفارهة ولا راتبكم الثقيل الذي يسقط على حسابكم شهرياً.. الحياة هنا ليست عطلاتكم الباذخة.. ثق أن هذا المبلغ الذي تمعر وجهك بذكره يتوقف عليه جوع عائلة وعطشها، أطفال كثر غاضبون لا يرضيهم إلا كسرة خبز ورشفة من مشروب غازي، مواطنون كثر كما ذاك المواطن الذي رفع الحاجز لسيارة معاليكم يقفون تحت الشمس ساعات طويلة كي يستطيعوا العودة إلى منازلهم البائسة حاملين ما يسد رمق أبنائهم.. بالتأكيد ما يسد رمقهم ليس ما يسد رمق سعادتكم والأسرة الكريمة. هذه الألف وخمسمئة هي الدخل الكامل لأسرة سعودية وليست مبلغا تافها تمعر وجهك بذكره.. سعادتكم.