دعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رجال الأعمال في دول الخليج العربية للدخول في شراكات حقيقية مع نظرائهم من رجال الأعمال في الدول الإفريقية، وأن تحظى مثل هذه الشراكات برعاية واهتمام الدول المعنية لتسهيل الإجراءات بما يحقق المصالح المشتركة للطرفين. وأوضح في كلمته التي ألقاها نيابة عنه وزير التجارة والصناعة عبدالله زينل في مؤتمر الاستثمار الخليجي الإفريقي 2010 المقام تحت شعار «تعزيز العلاقات الاقتصادية» الذي ينظمه مجلس الغرف السعودية بالتعاون مع مركز الخليج للأبحاث في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بالرياض، مساء أمس، أن المملكة ترتبط بعلاقات متميزة مع معظم الدول الإفريقية منذ القدم ويتضح ذلك جليا من خلال مستوى النشاط التمويلي للصندوق السعودي للتنمية، وقد كان للدول الإفريقية فيه النصيب الأكبر من المساحة الكبيرة التي يقوم الصندوق بتغطيتها في مختلف المجالات، حيث استفادت من الصندوق 43 دولة إفريقية، وبلغ إجمالي عدد المشاريع 262 مشروعا. وقال خادم الحرمين الشريفين «من البرامج الأخرى التي توطد علاقات المملكة بدول إفريقيا المبادرة الحديثة التي أمرنا بها للاستثمار الزراعي خارج المملكة، حيث تعتبر الدول الإفريقية ذات الأولوية في هذا الجانب، وقد بادر القطاع الخاص في المملكة فعلا بالاستثمار في إثيوبيا، وهناك العديد من الدول الإفريقية الأخرى التي يجري العمل حاليا على دراسة فرص الاستثمار الزراعي فيها، لنصل جميعا إلى الهدف المنشود وهو رفاهية الإنسان وسعادته أينما كان، وإبعاد شبح المجاعات والحروب والأمراض والأوبئة عن أوطاننا وشعوبنا». وأضاف«يأتي انعقاد هذا المؤتمر المهم في ظروف اقتصادية عالمية بالغة التعقيد لكونه يناقش سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول الإفريقية الصديقة جنوب الصحراء بهدف فتح مجالات أوسع وأرحب أمام زيادة التبادل التجاري وحجم وقيمة الاستثمارات بين الكتلتين الجارتين التي تربطهما أوثق عرى الصداقة وأواصر الجوار الجغرافي منذ فجر التاريخ، كما أن أهمية هذا المؤتمر أيضا تكمن في أنه يسعى لإيجاد شراكة فعلية بين دول الجانبين وتحقيق رفاهية الشعوب وتساعد على إيجاد تنمية شاملة على أرض الواقع في مختلف المجالات». وأكد خادم الحرمين الشريفين «لا يخفى على أحد منا المكانة التي تحظى بها القارة الإفريقية، حيث أصبحت محط أنظار المستثمرين من مختلف دول العالم، باعتبارها أسواقا تقليدية، ومجالا واعدا لمختلف المنتجات، وخاصة منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، حيث تتميز تلك الأسواق بالمساحة الواسعة، وبالحجم الكبير من العملاء المرتقبين. ونتيجة لذلك، فقد بات الكثيرون يتطلعون إلى الفرص المتاحة في الدول الإفريقية، ومن ذلك دول الخليج العربية حيث تعتبر إفريقيا أكثر جاذبية نظرا لقربها الجغرافي ولمقوماتها الزراعية الجاذبة للاستثمار، ولا شك أن التعاون في هذا الجانب سيؤدي إلى سد احتياجات أسواق دول الخليج العربية بالمنتجات الزراعية الإفريقية، واستفادة المنتجين الأفارقة من المكاسب التي ستعزز تدفق الاستثمارات الخليجية على المناطق الريفية في تلك الدول، وما يصاحب ذلك من تنمية لتلك المناطق». وقال «لقد لاحظنا زيادة الاستثمارات الخليجية في المناطق الشمالية من إفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء الإفريقية، الأمر الذي دفع الكثير من الشركات الغذائية في دول الخليج العربية إلى تحويل اهتماماتها على نحو متزايد نحو حوض البحر الأحمر في محاولة منها لتوسيع نطاق عملياتها وتأمين خطوط التوريد، وكذلك للاستفادة من الأسواق الإفريقية الكبيرة التي تتمتع بالنمو السريع». وتمنى خادم الحرمين الشريفين للمؤتمرين في ختام كلمته التوفيق والسداد، وأن يحقق المؤتمر الآمال المرجوة منه. وخلال الجلسة الأولى، أشاد الرئيس الموزمبيقي أرماندو ايميليو جويبوزا بمستوى العلاقات السعودية الموزمبيقية في جميع المجالات وأشاد بجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في دعم ومساندة التنمية في قارة إفريقيا، وكذلك جهوده في دعم جميع الدول النامية والفقيرة من أجل تحقيق الرفاهية والاستقرار في جميع دول العالم. وأشاد رئيس موزمبيق بمحاور وأهداف المؤتمر الذي يناقش الفرص الاستثمارية المتاحة وتبادل المنافع وزيادة حجم وقيمة التبادل التجاري بين الدول الإفريقية ودول الخليج العربية، وأشار الرئيس الموزمبيقي إلى أن المؤتمر يركز على استكشاف الفرص المحتملة والممكنة، مشددا على أن هناك أسسا تاريخية وتقاربا جغرافيا يمهد الطريق أمام زيادة التبادل التجاري بين الجانبين. وأوضح جويبوزا أن بلاده مليئة بفرص التعاون الاقتصادي مع المملكة ودول الخليج، خصوصا في مجال الزراعة وتربية الأغنام والمواشي أي بما يوفر حاجات دول الخليج من الغذاء. واستند الرئيس أرماندو ايميليو إلى دراسة سبق أن أعدها مركز الخليج للأبحاث عام 2008م والتي رصدت احتياج دول الخليج للغذاء في الحاضر والمستقبل، موضحا في هذا الصدد أن بلاده تضع بين أيدي المستثمرين الخليجيين مساحات واسعة صالحة للزراعة تتوفر فيها شبكات للري وأراضٍ أخرى قابلة للإصلاح الزراعي بسهولة ويسر. وأوضح أن بلاده طورت أنظمتها الصناعية وتشريعاتها الاستثمارية وحسنت من شبكات ووسائل الري والبنية التحتية المتعلقة بقطاع الزراعة والمياه ووسائل الاتصال والنقل، إضافة إلى التنوع المناخي ووجود الطاقة الكهربائية، كما أشار الرئيس الموزمبيقي إلى أن بلاده تمثل سوقا واسعة أمام التجارة الخليجية حيث يقطنها 20 مليون نسمة وتجاور العديد من البلدان الإفريقية الأخرى، فضلا عن أنها تتمتع بالاستقرار السياسي والتوافق التام بين جميع أتباع الديانات وخصوصا بين المسلمين والمسيحيين. القصيبي يشيد بتطور العلاقات من جانب آخر، أوضح وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور خالد القصيبي أن العلاقات الاقتصادية بين دول إفريقيا والخليج العربي في تنامٍ ملحوظ منذ عام 2000، مشيرا إلى أن حجم التبادل التجاري بين المملكة والدول الإفريقية قد ارتفع بشكل لافت. وتفصيليا قال الوزير إن حجم التبادل التجاري مع موزمبيق ارتفع بدرجة كبيرة بين عامي 2000 و2005، حيث بلغ عام 2000، نحو 79 مليون ريال، ووصل في عام 2005 نحو 488 مليون ريال. كذلك زاد حجم التبادل مع كينيا من 137 مليون ريال عام 2000 إلى ما يزيد على ملياري ريال العام الماضي، في حين ارتفع حجم مبادلات المملكة التجارية مع جنوب إفريقيا من 13.1 مليار ريال عام 2005 إلى 21.1 مليار ريال عام 2008. وبالمثل شهد حجم المبادلات التجارية لدول الخليج العربية مع الدول الإفريقية تطورات وصفها وزير الاقتصاد بالإيجابية، مؤكدا أن تنمية التجارة الخارجية وتعزيزها على أساس القدرات التنافسية الدولية يمكن أن تسهم بقدر كبير في تسريع النمو الاقتصادي للدول، بدليل تجارب النجاح المتميز لدول شرق آسيا. وأكد القصيبي أن المملكة ودول مجلس التعاون قطعت شوطا كبيرا في هذا المضمار، وقد كان من ثمار جهودنا ازدياد تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المملكة من مليار دولار أمريكي قبل عام 2004 إلى 38 مليار دولار عام 2008. وشدد رئيس «مركز الخليج للأبحاث» الدكتور عبدالعزيز بن صقر على أن تنظيم المؤتمر جاء بعد دراسة متأنية ومستفيضة لتلبية حاجات الشعوب ودول الكتلتين، فضلا عن كونه استجابة لرغبة ملوك وأمراء ورؤساء الدول الخليجية والإفريقية الذين يسعون دوما لتحقيق التعاون والتكامل. صراحة خليجية وخلال جلسة ثانية، عبر عدد من المسؤولين التجاريين والاقتصاديين بدول الخليج العربية عن عدم رضاهم عن مستوى التبادل القائم مع الدول الإفريقية، وذلك على الرغم من الإمكانيات الهائلة المتوفرة للمجموعتين، مؤكدين أن على الدول الإفريقية العمل بجد لإقناع المستثمرين الخليجيين للاستثمار في بلدانهم عن طريق مشاريع تحقق التنمية المستدامة للجانبين. وقال وزير التجارة والصناعة الكويتي أحمد الهارون إن العلاقات التاريخية التي تربط دول مجلس التعاون والدول الإفريقية تعود إلى فجر الإسلام بيد أن الطموحات في المجالات الاقتصادية والتجارية لا تزال دون المستوى المطلوب على الرغم من توفر جميع الإمكانيات اللازمة لإقامة علاقات وثيقة. وأوضح أن التعاون بين الطرفين لا يتجاوز 25 مليار دولار من بينها عشرة مليارات من النفط، مبينا أنه على الرغم من ذلك يمكن استكشاف المزيد من فرص التعاون والاستثمار المتبادل. ورأى الهارون أن مستوى الحضور والمشاركة من جانب عدد من الدول والمنظمات الإفريقية والخليجية يؤكد وجود رغبة في تعزيز التعاون الحالي والعمل من أجل تنمية التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والبحث عن أفضل الفرص الممكنة والواعدة للاستثمار. وشدد على ضرورة قيام الدول الإفريقية بتهيئة البيئة والمناخ الاستثماري لاستقطاب رؤوس الأموال الخليجية، مشيرا إلى أن دول مجلس التعاون لديها هدف استراتيجي يتمثل في توفير مصادر آمنة لتوفير الأمن الغذائي ولدى إفريقيا موارد مائية وأراضٍ زراعية خصبة يمكن أن تكون من بين مشاريع التعاون بين دول الخليج وإفريقيا في المستقبل القريب. واتفق رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة دولة قطر الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني على ما ذهب إليه الوزير الكويتي من حيث ضعف حجم التبادل التجاري القائم بين المجموعتين الخليجية والإفريقية، مؤكدا أنه لا يرتقي إلى الموارد والإمكانيات الحقيقية لكليهما. وقال الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني إن هناك عددا من المعوقات التي تعترض سبيل الاستثمارات الخليجية من بينها ارتباط الأسواق الإفريقية مع بعض التكتلات الاقتصادية الدولية، ووجود منافسة كبيرة مع دول لديها استراتيجيات عمل واضحة في القارة الإفريقية كالصين وأمريكا، تدهور الأوضاع الاقتصادية في الكثير من دول إفريقيا، إضافة إلى الصراعات المحلية والحروب الأهلية وارتفاع الرسوم الجمركية والمبالغة في اتخاذ إجراءات حمائية والتقلبات المستمرة في أسعار صرف العملات. وأوضح الشيخ خليفة أن الصورة مبشرة خصوصا مع تعزيز العلاقات الخليجية الإفريقية أصبح ضرورة ملحة تفرضها التطورات الاقتصادية. واقترح توقيع اتفاقيات لتسهيل التجارة الخليجية مع أهم التجمعات الإفريقية وإنشاء صندوق خليجي مشترك تشرف عليه الحكومات لدعم الصادرات الخليجية إلى إفريقيا، إضافة إلى تشجيع وإقامة شركات استثمارية في مجالات الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي وحث البنوك الخليجية على ممارسة أنشطتها بدول إفريقيا أو فتح فروع لها. 10 مشاريع مقبلة من جانب آخر، استعرض الأمين العام لمنظمة الخليج للاستشارات الصناعية عبدالعزيز الحقيل الدور الذي يمكن أن تضطلع به المنظمة فى دعم توجهات الدول الخليجية للاستثمار بالقارة الإفريقية، وقال إن المنظمة عملت ومنذ إنشائها على دفع عجلة التصنيع بدول الخليج وتقديم الاستشارات والمعلومات. وأضاف أن حجم الطلب المتزايد في دول الخليج على المنتجات الغذائية يطرح بقوة دعم مبادرة الدول الخليجية للاستثمار بالقارة الإفريقية في مجالات التصنيع الغذائي وإقامة مشاريع مشتركة توفر حاجة الدول الخليجية إلى هذه المنتجات وتساهم في الوقت ذاته في تنمية اقتصاديات الدول الإفريقية. وقال الحقيل إن منظمته تجري اتصالات مع عدد من الدول الإفريقية والمنظمات العالمية لطرح الفرص الاستثمارية في مجالات التصنيع الغذائي، موضحا أن هناك عشر فرص سيتم طرحها ويتوقع أن تخدم تلك التوجهات الخليجية والإفريقية .