تظل الإعلانات التجارية وسيلة فاعلة من وسائل التسويق، وقوة مؤثرة على المستقبِل «الجمهور» لا من ناحية ترغيبه في السلعة فحسب، بل من عدة نواح ثقافية فكرية تسهم بشكل كبير في التأثير على الذائقة الفنية للمعلن له، وتمهد لتقبله أفكارا بطيئة التشبع، لم يكن ليرضى بها لو أنها أتته بصورة مباشرة. وعلى الرغم من أن مواكبة التطور والتقدم التكنولوجي من إحدى الأساسيات التي يفترض أن تراعى في الإعلانات، نجد بعض القنوات تنفرد حتى الآن بعرض إعلانات برامجها بشكل هو أقرب للعروض التقديمية، وطريقة متناهية البساطة باستطاعة أي شخص قليل الإلمام بالحاسب أن يضاهيها بسهولة. مثل تلك القنوات تجعلك تشعر بأن التنافس الإعلاني في منظورها يكمن في الحفاظ على الأساليب القديمة ونبذ التطور التقني، للربط بين الرسالة المعلن عنها و«التراث الحاسوبي» في ذهن المتلقي.. ولعل أمرا كهذا يعزى إلى التباين في الإمكانيات بين المحطات الفضائية، أو إمكانية توظيف مصممي إعلانات على درجة عالية من الاحتراف، لكن ما لم أجد له تبريرا هو انعدام التناسب بين السلع وطريقة عرضها في بعض الأحيان، فعلى سبيل المثال، يلفت نظر المار قرب مقبرة المعلاة بمكة، لوحة إعلانية بارزة بمحاذاة سور المقبرة، وبالخط العريض «شاركهم مشاعرك وأنت في المشاعر». من الواضح أن «المشاعر» أتت تزامنا مع موسم الحج، لكن موقع اللوحة يوحي بمشاعر سلبية مختلفة تماما. سوء التخطيط، نقطة سلبية أخرى تضاف للإعلان، لكن سوأها لا يقارن مع ما اعتدناه من الحشو الأنثوي في أغلب الإعلانات، فلا يظهر مفعول موس الحلاقة الرجالي إلا بمرور امرأة، ولا يفوح عبق العطر الرجالي دون امرأة، ويستحيل تحسن الشعر في إعلان «الشامبو» وجل الاستحمام إذا لم يكن الظاهر أكثر من المستور. في ظل إقحام الصورة الأنثوية بداع وبدون، لن نستغرب إن اقتصرت البطالة يوما على الجنس الخشن، وازدادت الحاجة إلى الأيدي العاملة «الناعمة»!