هذه التدوينة أنسب للمجتمعات أو الأسر المحافظة وشبابها الحائر بين محافظة مجتمعه وأفلام هوليوود حتى لم يعد يؤمن بجدوى الزواج التقليدي. هذه الأيام عندما يسألك أحدهم عن طريقة زواجك وتقول «زواج تقليدي» فيجب أن تقولها بأسى مع خلفية موسيقية حزينة تناسب ما يحاول الإعلام الأمريكي فعله لتشويه المفاهيم! وفي الحقيقة لست من المدافعين عن الطريقة التقليدية بطريقتها الحالية، لا أقول إنها فاشلة، فهناك الكثير من الزيجات الناجحة والآمنة التي قامت بهذه الطريقة، ولكنها لا تناسبني. إذا كنت عزيزي القارئ أو عزيزتي القارئة من المقتنعين بما يختاره لك أهلك وفقا للمركز الاجتماعي والدين فهنيئا لك، لقد ارتحت وأرحت. الأمر بالنسبة إلي أخذ الكثير والكثير من البحث والأسئلة حتى وصلت إلى طريق مقنع ومرضٍ. لست من المدافعين عن الزواج بناء على حب. وقد يستغرب الكثيرون من هذا، ولكنه قرار آمنت به بعد الكثير من قصص الحب التي حدثت حولي ورأيت أن الحب أعماهم ولم يؤد دوره المطلوب من التعرف أكثر على الآخر للتأكد من طباعه وحسن خلقه. ولن أقول الكلام المكرر عن النعجة والذئب، فالكثير من قصص الحب تتوج بالزواج فعلا إذا كانت الفتاة واعية بما يكفي، لكن قصص الحب تقوم على الخوف من: «هل يحبني حقا وسيتقدم لخطبتي أم أنه يلعب بي؟» وما إن يتقدم تخفت كل اللهفة! وهذه القصص إذا قامت بين طرفين يؤمنان في قرارة نفسيهما أن هذا خطأ وهما متورطان فيه، فإنه يؤدي إلى الغيرة والشك والمنع غير المبرر بعد الزواج! كما أن قصص الحب تستبق جمال المراحل، فبالتأكيد حب بلا مسؤولية هو أفضل من حب بمسؤولية! لذا فإذا تزوج المحبون «اعتقدوا» أن الزواج سيئ. قصص الحب تقوم على مهارة الطرفين العاطفية فقط وتغيب المسؤولية والمهارات الاجتماعية والدينية وكثير من العوامل المهمة جدا في الحياة الواقعية لا «الحياة العاطفية» التي لا تظهر خلال قصص الحب خصوصا إذا قام الحب عن طريق الإنترنت أو الهاتف. ولذا فأنا أؤمن أن قصص حب الإنترنت أو الهاتف فاشلة تماما أكثر من حب زملاء العمل أو الدراسة أو الأقارب. ولكني بالطبع لست ضد الزواج عن حب، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير للمتحابين مثل النكاح، لكني فقط أقول الزواج عن حب ليس الوصفة السحرية للزواج الناجح، وقد يصلح الزواج عن حب للعاقل الذي يعرف كيف يحمي نفسه وقد يكون كارثة للبعض الآخر نتيجة غرقه العاطفي الأعمى. ولا أحلل أو أحرم هنا، فالشرع يؤخذ من مصادره. هناك سلسلة عن آداب الخطبة، قدمها البروفيسور طارق الحبيب مشكورا في برنامجه الجميل «النفس والحياة» وضح فيها طرقا عصرية جدا لا تخرج عن إطار الدين، تحترم الإنسان وفرديته ورغباته وطريقة تفكيره، وتنظر للزواج بطريقة راقية كشراكة بين صديقين أو شريكين لا رغبة في لقب اجتماعي أو تفريغ رغبة فطرية وإنجاب أطفال وحسب. وأنا أعتقد أن هذه الطريقة أفضل من الحب الأعمى وأكثر أمانا ووعيا. كما أن الخطبة عندنا إذا قامت بوعي فهي أفضل من الطرق الأجنبية مثل أسلوب المواعدة «التدييت» من أجل الزواج، فهو في نظري طريقة مشابهة جدا لأسلوب الخطبة عندنا، الفرق هو أن تلك لا تتم تحت عين الأهل، فالفتاة في الغرب لا بد أن تخرج لكي تعرض نفسها أمام الرجال في العمل والمناسبات والمقاهي بطريقة ما ليست مبتذلة وليست صادة. والفتاة عندنا إما أن تجلس في البيت، أو لا بد أن تخرج وتعرض نفسها في الأفراح وأمام النساء، أو في العمل والشارع لدى المجتمعات المنفتحة. لدينا ميزة إضافية وهو أن العائلات المعروفة يأتي الخطاب إلى بناتهم دون أسلوب العرض الرخيص. وينصح الدكتور فيل الفتيات الأمريكيات أن يحكمن العقل في الأشهر الثلاثة الأولى، لكي ينحين العاطفة جانبا. فإذا ظهرت أي علامات تدل على عيوب حقيقية وجوهرية فلتتوقف عن مواعدته فورا. وأعتقد أن هذا بالضبط هو دور الخطبة عندنا. وما بعد الأشهر الثلاثة تكون فترة إدخال العاطفة مع العقل وهي «عقد القران». لكن مشكلة مجتمعاتنا أنها عقدت من مسألة فسخ القران واعتبرته طلاقا، فبات الناس يخافون من القران المبكر، بينما هم يجرون على أنفسهم مشكلات مستقبلية لمجرد أعراف اجتماعية فاسدة! وهناك مقولة جميلة لرجل أجنبي لديه مدونة في تمبلر، يقول فيها إن الرجل إن لم يرغب في الزواج منك من أول ثلاثة أشهر فهو لن يتزوج بك أبدا. وهذا ينفي تماما في رأيي الفرق بين المواعدة «التدييت» والخطبة بطريقة واعية، إنما الفارق الزمني الأطول في المواعدة هو من أجل تقوية العاطفة لا أكثر. والشاهد أن عددا من الأجنبيات قلن إنهن تأكدن من رغبتهن في الزواج من هذا الرجل بعد الشهر الأول فقط. رغم أنهن تزوجن بعد سنة أو أكثر. وقد يقول أحدهم إن هذه السنة مهمة لمعرفة أخلاقه الحقيقية غير المتصنعة قبل القران، ولكن لاحظوا ممثلات وممثلي هوليوود كل شخص منهم اختبر شريكه أطول فترة ممكنة ومر بجميع المراحل من إعجاب ثم حب ثم انتقال إلى نفس البيت وتأكدوا تماما من مناسبة الآخر لهم.. أليس كذلك؟ انظروا إلى نسبة الطلاق الهائلة بينهم! الزواج بطيخة! مهما حاولت تجنب ذلك. وفي مناسبة ما، سئل طارق الحبيب عن الوقت المناسب، وقال إنه يعتمد على مرات اللقاء والحديث لا عدد الأيام والشهور، حتى يستريح الخاطب أو تستريح المخطوبة وتطمئن. وهذه الفترة كفيلة باكتشاف إذا كان يمكن نشوء عاطفة بينكما أم لا. لكن المهم ألا تنحصر المعايير على وظيفته وراتبه واسمه العائلي وصلاته في المسجد وسمعة الأب والأم.. أو مهارة طبخ البنت ووزنها وجمالها واسمها العائلي! لأن هذه المعايير قد تكون شكلية، وقد يكون الابن متأثرا بأسرته لكنه ليس مقتنعا بها، بل قد يكون العكس تماما. والجمال معيار يزول بمجرد التعود عليه، والطبخ تعلمه سهل جدا، فمئات النساء لم يقلين البيض قبل زواجهن وهن الآن طباخات. والأخلاق هي الأهم. وأعتقد أن الفكرة المشهورة أن الملتزم هو الأفضل خلقا أصبحت فاسدة الآن، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من ترضون دينه وخلقه» وقد فصل الصفتين لأنهما منفصلتان فعلا. ويدعو طارق الحبيب إلى عدم تحديد أوقات اللقاء، لأن الغرض هو معرفة رغبة الطرف الآخر في الابنة أو البنت وأسلوب تفكيره. وهو يقول كلمة جميلة: «إذا قررت الزواج عن حب فلتختاري حبيبا يناسبك اجتماعيا ودينيا لا عاطفيا فقط». وإذا كانت الأسرة الأمريكية تحرص على التأكد من أخلاق الشاب الذي تواعده فتاتهم عندما تكون في الثانوية أي في بداية المواعدة دون أي خبرة كافية وتحت تأثير الهرمونات، فهو الأمر نفسه الذي تفعله الأسرة العربية عندما ترفض حبيبا ما لابنتهم، فهم يحمونها من عماها العاطفي ومن قلة خبرتها في الناس عموما والرجال خصوصا. وأرجو أن تنتبه الفتاة لنصيحة الدكتور الحبيب بأن تتأكد الفتاة من أنها توافق على العيش مع هذا الشخص بعينه لأنه يعجبها، لا لأن «فكرة» الزواج تعجبها أو لأنه خامة للرومانسية أو لأنها ترغب في إنجاب الأطفال أو الأدهى لأنها ترغب في الهروب من واقعها دون أن تتأكد أنه سيوفر لها بالفعل واقعا أفضل. وهذه همسة للفتيات اللاتي لا يكترثن بمتعة التجربة بل يطلبن بالأمان: المواعدة هي أكبر سبب لتجنب الرجال الزواج في أمريكا وفقا للإحصاءات، فإذا كان الرجل قادرا على الحصول على ما يرغب دون زواج فمن يرغب في مسؤوليات؟! مدونة: الحياة من ثقب الباب