كان لدى المتقدمين من فقهاء الشريعة وحكمائها شعور إيجابي عريض تجاه كلمة «التأويل» ذات الجذور الإسلامية في عصر ما قبل الاصطلاح الفقهي الذي مهد لجدل طويل حول كلمة «التأويل» ودلالاته.. فمن ذلك الاتجاه الذي يتبنى كلمة «التأويل» كمفردة عربية وشرعية في بواكير الإسلام، ولدت أجنحة أخرى استعملت تلك الكلمة في معانٍ شتى بعثت في نفوس آخرين التوجس والشغب إلى حد أن أرسل ابن القيم إحدى صواعقه في كتاب «الصواعق المرسلة» على هذه الكلمة وعقد فصلا فيما سماه «طاغوت التأويل»!. فمفردة «التأويل» حين بدأت كانت كلمة تقترب من المفهوم الديني للتفسير والترجمة، لكنه مع الوقت ساغ استعماله عند بعض التيارات المختلفة في التاريخ لصرف المعنى الظاهر للكلام إلى معنى خفي وباطن. وهذا الاستعمال بالتحديد استفادت منه مذاهب كثيرة داخل الإسلام لتبرير تفسيرها الخاص ومذهبها على ضوء هذا المعنى الخفي الذي تفترضه. وحيال هذا الاستعمال كان موقف كثير من دارسي كلمة «التأويل» متحفظا ومشككا في دلالة هذه المفردة وقيمتها. ومع تسلسل الأجيال انتشرت حول التأويل معانٍ مختلفة تجعل منه سلاحا مذهبيا أو حزبيا لتبرير النتائج الكلامية بيد أن كل تلك الحمولات بقيت ثقافية واصطلاحية لا تقوم على نقض المعنى الأساسي للتأويل المتداول في لغة العرب والمعروف أثناء فترة التشريع الأولى. كان التأويل صديق المفسرين الأوائل فهم يستعملونه تماما مرادفا لمعنى التفسير كما يفعل «مجاهد» الذي تلقى التفسير والتأويل عن ابن عباس.. وكما يحكي شيخ المفسرين «الطبري» في كل آية كيف يكون تأويلها فيقول «وتأويل هذه الآية كذا» أو «والقول في تأويلها كذا» فيستخدم كلمة التأويل بكل راحة ضمير حيث إن ذلك الاصطلاح المثير للجدل حول «التأويل» بمعناه الاصطلاحي لم يوجد بعد. وحول مفردة «التأويل» ثمة شيء آخر يجعلها أكثر ثراءً، إذ إن تلك المفردة في بواكير الإسلام استخدمت بمعنى «الواقع المتعلق بالنص» في إيحاء مثقل بتلك العلاقة بين «النص الديني» والواقع؛ النص الديني كمكتوب ومدون.. والواقع كمتحرك وصاخب.. فالتأويل لغةً ما يؤول ويرجع إليه الشيء فهو تفسيره وبيانه وتحقيقه وتحويله لواقع. هذا التأويل/الواقع هو معنى شرعي صرف ولغوي أصيل.. يجعل كلمة «التأويل» المرتبطة بالنص الديني والشرعي تعني العودة للواقع والارتباط به والاستفادة منه في هذا التأويل والتفسير.