بجانب سجن الباستيل العتيد يخرج آلاف الشباب الفرنسيين لتحدي نظام محدث للجمهورية الفرنسية وإعلان رفضه، ذلك يشعل فرنسا بأسرها حاليا في وقت لم يبد فيه الرئيس نيكولاي ساركوزي أي بادرة للاستجابة لمطالب المتظاهرين بإعادة النظر في مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي ينص على تأخير سن التقاعد من 60 إلى 62 عاما، وكان إطلاقه بمثابة إشعال برميل وقود بخروج الفرنسيين في تظاهرات احتجاج متواصلة تبعه إضراب عطل جميع مصافي الدولة. ودعت النقابات للمرة الخامسة منذ بداية سبتمبر الماضي، الفرنسيين إلى التظاهر احتجاجا على هذا الإصلاح، وبالفعل عمت التظاهرات عدة مدن فرنسية ووصلت إلى نحو 230 تظاهرة في مختلف أنحاء البلاد، في وقت يصر فيه الرئيس ساركوزي على «المضي حتى النهاية» في هذا الإصلاح الذي يعد من أهم مشاريع نهاية ولايته. وقدرت وزارة الداخلية الفرنسية عدد المتظاهرين ب 340 ألفا ظهر السبت الماضي مسجلة «تراجعا» بالمقارنة مع التظاهرات السابقة منذ بداية سبتمبر، وخلال اليوم الاحتجاجي السابق الذي نظم يوم السبت الثاني من أكتوبر، أحصت الشرطة في التوقيت نفسه 380 ألف متظاهر في 150 تظاهرة، وبحسب استطلاعات رأي فإن 57 % من الفرنسيين يطالبون الحكومة بالتفاوض حول الإصلاح الجديد. وكانت التعبئة بلغت الثلاثاء الماضي حدا قياسيا منذ بداية الاحتجاجات بمشاركة 1.2 مليون متظاهر حسب الشرطة و 3.5 مليون حسب النقابات، وذلك ما دعا رئيس نقابة سي. جي. تي برنار تيبوه، إحدى أكبر النقابات الفرنسية، إلى التعبير عن ارتياحه لأن هذه الحركة «بلغت ضخامة غير مسبوقة منذ أعوام عديدة». وتعطلت الدراسة والخدمات العامة الأخرى على نطاق واسع، إذ أغلق نحو نصف المدارس في البلاد نتيجة الإضراب. نفاد الوقت والوقود وبدأت مشكلات المواصلات منذ ليل الأربعاء الماضي، خاصة في حركة القطارات، وقالت هيئة السكك الحديدية إن أكثر من نصف خدمات القطارات تقريبا توقفت. وألغي ما يقرب من نصف رحلات الطيران من مطار أورلي و 40 % من رحلات مطار شارل ديجول وبقية مطارات البلاد، وقالت السلطات إنه ألغي ما يصل إلى 50 % من رحلات الطيران من مطارات بالعاصمة ومدن أخرى. وكان الاتحاد الفرنسي للصناعات النفطية أعلن أن مجمل المصافي الفرنسية ال 12 مضربة عن العمل، وتعطل عشر منها، وأعلنت وزارة البيئة أن الكيروزين قد ينقطع عن المطارات الفرنسية من بداية الأسبوع الجاري، حيث إن «خط الأنابيب الذي يمد مطاري أورلي ورواسي بالوقود يعمل بشكل متقطع»، وأقرت شركة توتال بأن المئات من محطات البنزين معطلة، وأن حركة الاحتجاج «تثير مخاوف»، وسمحت الحكومة بتوزيع قسم من احتياطي الوقود على المحطات يكفي لتأمين الاستهلاك ما بين عشرة إلى 12 يوما. كذلك يتواصل الإضراب في قطاع السكة الحديد، حيث لا يسير السبت سوى قطارين سريعين من أصل ثلاثة، وواحد من أصل أربعة بين كبرى مدن البلاد. وفي النقل الدولي يسير قطار يوروستار الأوروبي بشكل عادي، لكن قطارات تاليس ستلغى من الأحد «الماضي»، وتقتصر رحلات القطارات السريعة بين مدن فرنسا وبلجيكا على مدينة ليل «شمالا». إصرار حكومي وتعارض النقابات خطط الرئيس ساركوزي لرفع سن التقاعد وتأجيل منح الراتب التقاعدي الحكومي بالكامل من 65 إلى 67 عاما. وتقول الحكومة إن الترتيبات التقاعدية الحالية لا يمكن الاستمرار فيها، بل يجب إصلاحها. وتعهدت بعدم التراجع عن موقفها على الرغم مما يصفه المحللون بأنه أكبر تحد للحكومة حتى الآن. ووافق مجلس النواب على خطة الإصلاحات التي لا تزال تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ عليها بشكل نهائي، وإن كان أقر بعض بنودها. ولم تبد الحكومة أي نية للانصياع لمطالب المضربين، ورأت في الضعف النسبي للمشاركة إشارة إلى أن الفرنسيين أدركوا إصرار الحكومة على المضي قدما في برنامجها. الأقل أوروبيا يذكر أن سن التقاعد في فرنسا أقل من بعض الدول الأوروبية الأخرى، وتتحسب الحكومة لما يشكله زيادة عدد المتقاعدين من ضغط على صناديق معاشات التقاعد والخدمات العامة. ويعد التعديل جزءا أساسيا من خطة إصلاح اقتصادي للرئيس ساركوزي للحد من عجز الميزانية والحفاظ على التصنيف الائتماني للبلاد. وتقول الحكومة الفرنسية إنها ستوفر 70 مليار يورو من رفع سن التقاعد إلى 62 بحلول عام 2018، وسن الحصول على معاش التقاعد إلى 67، وأعوام الخدمة المؤهلة لمعاش التقاعد إلى 41.5 عام. وتقول النقابات وأحزاب المعارضة إن التعديلات غير عادلة وتضر بالعاملين، خاصة النساء والعاملين بشكل مؤقت الذين لن يمكنهم تحقيق مدة التأهل بأكثر من 41 عاما من العمل. وتقدم المعترضون باقتراحات بديلة تتضمن مزيدا من الضرائب على العلاوات الكبيرة والدخول المرتفعة جدا لتمويل صناديق معاشات التقاعد .