رفع الكثير من الشباب والفتيات، شعار «كما تدين تدان»، ليسيطر على رؤيتهم المستقبلية، في أعقاب أفعال ارتكبوها خلال فترة من فترات الضلال المبين. وفيما بدأ الشبان والفتيات يتهيؤون للحياة الجديدة، يعيدهم شبح الخوف من سقطات الماضي، إلى نقطة الصفر، الأمر الذي ربما يفسر سرعة الطلاقات، من آثار عدم التهيؤ للحياة الزوجية وفق إطارها الجديد. وأصبح من ابتلي ب «الغزل»، والمعاكسات في فترة المراهقة، يحيط نفسه بهالة من الخوف، تزداد كلما اقترب موعد زفافه أو زفافها، ويصبح السؤال الذي تحمله الأفواه التائبة «هل سأرى ما أجبرت الآخرين على رؤيته؟ ». لكن الغريب في الأمر أن علامات الإحساس بالذنب التي تطارد بعض الشباب، لا تنعكس على المزيد من التوبة، لكنها تتجه إلى بورصة المزيد من الخطيئة، فيستمرون في علاقاتهم غير الشرعية فيما بينهم، حتى بعد الزواج، ما يفجر الوضع ويؤزم الموقف، وفي النهاية تكون الضحية هي الأسرة التي بالكاد بدأت. وفي كل يوم تخرج التوصيات بالدعوة إلى دورات تعالج الفجوة بين الواقع الشبابي والمستقبل الأسري، أملا في تجفيف ظاهرة الطلاقات التي بدأت في الانتشار، وبلغت مستوى يصل إلى 13 حالة طلاق بين كل ألف أسرة، فيما لا يقل المستوى عن خمس حالات طلاق بين ألف أسرة. فهل المعاكسات السابقة شبح يجب أن يطارد المقبلين على الزواج، أم أنها خطر يجب أن يتوقف عند حده، ولا يمتد إلى ما بعد تخطي المراهقة؟ وهل العلاقات المحرمة يجب أن تبقى سيفا مسلطا على رؤوس التائبين أم أن القاعدة الشرعية التي تؤكد أن «التوبة تجب ما قبلها»، يجب أن يرفعها الشباب والفتيات، تأكيدا في التوبة، ومضيا في بناء علاقات أسرية بعيدة عن الانفصام النفسي؟ مرحلة وتنتهي يعتبر الشاب عبدالله الداموك، 26 عاما، بعض رفاقه السبب في هدم منازلهم بأنفسهم، إثر الشك الدائم «وهناك كثير من الشباب يصل فيه إلى حالة من الشك، إلى الدرجة التي يسأل فيها زوجته ما إذا كانت على علاقة سابقة بشاب، سواء عن طريق الهاتف أو الإنترنت، رغم ما في ذلك من خطأ كبير وجسيم، وأرى نفسي ضد الشاب الذي يراجع حسابات زمن ماض، سواء له أو لزوجته؛ لأن الشك بكل تأكيد يؤدي إلى هدم البيت والأسرة، وربما تستمر هذه العقدة مع كل حياة زوجية». ويشاركه الرأي سامي الحربي، 27 عاما، مؤكدا أنه يجب أن ينتهي التفكير في أي مرحلة عمرية، تتضمن كثيرا من الأخطاء أو الهفوات خاصة في مرحلة المراهقة «على الشباب إغلاق هذه المرحلة بخيرها وشرها، والنظر في تفاؤل للأيام المقبلة والمستقبل، يملؤه الفرح والسرور، لكن عليهم أيضا الاعتراف بأن المعاكسات أسلوب خاطئ، ومرفوض، ومرحلة ربما تجتاح كثيرا من الشباب والفتيات ولكن يجب أن تنتهي بتخطي الشاب أو الفتاة مرحلة المراهقة، ولا يجب أن تستمر لما بعد ذلك، إلى الدرجة التي تسيطر على الحياة الزوجية المستقبلية». عقلانية ومحاسبة النفس ويتفق الكثير من الشباب على أهمية النظر إلى الأمور في البداية بعقلانية: «لا نركز على أن التوبة تجب ما قبلها، لكن تركيزنا على أنه يجب النظر إلى كافة الأمور بعقلانية، حتى لا ترتبط الهفوات دائما بفترة المراهقة، وليعلم الشاب أو الفتاة أن هذا الأسلوب خاطئ، وهو لا يرضاه على زوجته ومن حوله فكيف يقوم به». ويواصل الشاب خالد التميمي، 30 عاما، التأكيد على أن الشاب الناجح يبتعد دائما عن مثل هذه الأمور التي يعلم جيدا أن لها أثرا سلبيا على نفسياته إذا ما أقدم على الزواج: «إذا كان يرفض هذا الأسلوب، فلماذا يتصرف به؟، وعلى من ابتلي بالمعاكسات المسارعة إلى التوبة ومحاسبة النفس ونسيان ذلك، والبداية في حياة زوجية قائمة على أساس التعايش والمحبة والاحترام بين الطرفين بعيدا عن الهواجس السابقة». عواطف مهدرة ويعتقد صالح الضلعان، 25 عاما، أن الشباب والفتيات إذا ما وفروا عواطفهم الجياشة للفترة ما بعد الزواج لكان أفضل، بدلا من إهدارها في معاكسات لا تعود عليهم في نهاية المطاف إلا بتأنيب الضمير: «عليهم توفير الحب والعواطف إلى الحياة الزوجية، وألا يفرغوها في العلاقات الوهمية، خاصة أن كثيرا من الشباب المعاكس يكون على ارتباط مع أكثر من فتاة فكيف تكون هذه العلاقة ناجحة وتنتهي بالزواج». ولا يقلل سعود الشمري، 25 عاما، من مغبة التأثير النفسي للمعاكسين «هي جزء من العقوبة التي يعرفها كل شاب، لأنهم يعرفون مسبقا أن أقدامهم تسير إلى خطأ، ومع ذلك يسيرون، دون النظر إلى قادم الأيام، وبكل تأكيد فإن لهذه المعاكسات تراكمات سيئة على الشاب أو الفتاة الذي يتزوج، وكثير ما نسمع بحالات طلاق سببها اكتشاف علاقات سابقة، لذلك يجب على الشباب والفتيات المسارعة بالتوبة ومحاسبة النفس قبل فوات الأوان». سلوك غير سوي ويحذر أستاذ علم النفس المساعد الأمين العام المساعد للمركز الوطني لأبحاث الشباب الدكتور نزار الصالح، من الآثار السلبية على الزواج، من جراء المعاكسات التي يقوم بها الشباب أو الفتيات «المعاكسات أو التعدي على خصوصية الآخرين ومضايقتهم بتصرفات غير مسؤولة وغير شرعية، ومخالفة للعادات والتقاليد، تعتبر سلوكا غير سوي يمارسه البعض من الشباب من الذكور والإناث خصوصا في فترة المراهقة والشباب، وذلك بعد أن ينضج الشباب ويتحولون إلى مرحلة عمرية جديدة مختلفة عن مرحلة الطفولة، وبطبيعة الحال فإن تلك السلوكيات لها دوافعها الفطرية وتتأثر بالبيئة التي تعيش فيها، فكلما كانت البيئة سطحية ومثيرة جنسيا، وغير منضبطة أخلاقيا وعديمة التوجيه والتربية، كلما أصبح شبابنا أكثر ميلا إلى تضييع أوقاتهم خصوصا في السلوكيات غير السوية التي منها المعاكسات ومضايقة الآخرين». معاكسات للتدريب ويرى أن «سلوك المعاكسات التي يقوم بها الشباب ذات أثر هدام لتركيبة الأسرة في المستقبل، فكثير من الزيجات يكون مصيرها الفشل، نتيجة تلك الممارسات السيئة، والعلاقات المحرمة التي ربما مارسها بعض الشباب قبل الزواج، ويستمر تأثيرها إلى ما بعد الزواج، والغريب في الأمر أن بعض الشباب يمارس سلوك المعاكسات بهدف التدرب وتجريب حياة أخرى مختلفة عن مرحلة الطفولة، وهذا تفكير خاطئ، فالشباب بحاجة إلى تنمية مهاراتهم الحياتية، والعملية، وبحاجة إلى ثقافة أسرية لا تتأتى بالمعاكسات ومضايقة الآخرين، وإنما بالدورات والمحاضرات المتخصصة». صفات غير مقبولة ويشير إلى أنه في حال استمرار بعض العلاقات من المؤكد أن الشاب أو الفتاة المتزوج سيتأثر بها نفسيا «استمرار العلاقات غير الشرعية بين الجنسين، تؤثر بطبيعة الحال في العلاقة الزوجية، وسوف يكون سببا رئيسا للطلاق، واضطراب الحياة الزوجية، فالزوج الذي تربطه علاقات غير شرعية يكون دائم الشك في تصرفات زوجته، وغيرته في غير محلها، ويكون مضطربا نفسيا، لا يستطيع التعامل بود وطيبة مع زوجته، ولا يستطيع الاستمتاع في حياته مع زوجته، ودائما يحاول البقاء خارج المنزل، وتتسم سلوكياته تجاه زوجته بالعصبية والغضب، وحدة الطباع، والشجار المستمر». الشك وفق الخبرات وعن الشك القائم بين بعض الشباب والفتيات المعاكس فيما بينهم، أوضح بأن التعدي على خصوصية الآخرين وبناء علاقات غير شرعية وغير أخلاقية، تجعل كلا من الزوج والزوجة يتعاملان مع بعضهم البعض بمبدأ الشك والريبة في جميع تصرفاتهم، فأي سلوك يتم تفسيره وفق ما لدى كل طرف من خبرات وممارسات سابقة، وهذا بطبيعة الحال سبب كاف لتدمير الحياة الزوجية». ما العلاج؟ لكن الدكتور الصالح يفتح نافذة العلاج والأمل للكثير ممن وقعوا في هذا الفخ «علاج هذا السلوك يحتاج إلى: أولا: التحلي بالأخلاق الحميدة والمحافظة على عدم عصيان الخالق، والمحافظة على العادات والتقاليد. ثانيا: لا بد من تثقيف الشباب وتزويدهم بالمهارات الحياتية التي تؤهلهم لاستغلال أوقاتهم في الأمور المفيدة. ثالثا: من المهم تفريغ طاقات الشباب من الجنسين بأشياء مفيدة وخلاقة، وشغلهم من خلال البرامج والأنشطة التربوية والترفيهية حتى ينشغلوا عن مضايقة الآخرين. رابعا وأخيرا: لا بد من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية للجميع، فالتاجر ومالك القناة الفضائية والمسؤول التربوي والكاتب الصحفي والمربي ومسؤول الأمن وصاحب المركز التجاري، وكل من له علاقة بالشباب والمجتمع عليهم مخافة الله، وعدم تعريض شبابنا لتوافه الأمور وتركهم هملا لا يحسنون صنعة ولا مهارة، والحرص على بناء برامج هادفة مفيدة لشغل أوقات الشباب بما ينفعهم». وأشار إلى أن الجميع يعرف أن الشباب عماد الأوطان، وأي خلل في بناء الشباب يؤدي إلى خلل في سلوكيات الشباب، وسلوك مضايقة الآخرين والتعدي على حرياتهم الشخصية والتغرير بهم ممارسات تتم نتيجة لإهمالنا لشبابنا من الجنسين، وعدم تهيئة بيئة اجتماعية تربوية مناسبة لاحتوائهم وتنمية مهاراتهم، فالشباب إن لم يشغل بما يفيد شغلك بما لا يفيد «لا بد من دور أكبر للمسؤولين عن التربية والتعليم، ودور أكبر للهيئة العامة لرعاية الشباب، ودور أكبر لجميع مؤسسات الدولة لاحتضان الشباب وتنميتهم ليصبحوا فعلا عماد الأوطان ومستقبل الأمة»