«لم نفعل جرما حتى نطرد بهذا الشكل.. ليس لنا مكان آخر غير البحر.. أين نذهب إن منعنا من البحر؟». كلمات ربما كانت الأكثر تعبيرا عن معاناة مئات الشبان الذين وجدوا أنفسهم ممنوعين أو محرومين من شاطئ العروس، وتحديدا في منطقة شرم أبحر. كل عيد يحتفل الشباب على البحر، بطريقتهم الخاصة، يستقلون الدراجات المائية، ويسبحون في المياه الشاطئية، ويتقاذفون بالكرات على الرمال، ويعودون في نهاية اليوم وقد نجحوا في تفريغ طاقاتهم، وحملوا أجمل الذكريات، التي تعود على السياحة في جدة بالنفع، من خلال الروايات التي تتردد في جميع المحافل والمجالس، فيأتي الموسم الجديد أو العيد المقبل بمزيد من الشباب الراغب في تخليد الذكريات أو فتح باب الذكريات على شاطئ جدة. لكن في هذا العيد اختلف الحال، وصل الراغبون في التنفيس، وتجديد الذكريات، كما وصل الراغبون في بدء الذكريات، ووصل الجميع، وتأهبوا إلى موقع شرم أبحر، لكنهم وجدوا الطرق مغلقة، بلا إشعار آخر، ظنوا في البداية أن الأمر يتعلق بإجراءات مرورية، ستزول سريعا، لكنهم فوجئوا أن الأمر يتعلق بهم أنفسهم. استفسروا عن السبب، فجاءت الأخبار تترى على مسامعهم: «البعض يحول البحر إلى منتجع خاص، فيزعج الجيران خصوصا الأسر والعائلات الذين هربوا من الشقق المغلقة إلى واحة البحر، والبعض لا يكترث بمن يجاوره فيفسد الأجواء بصرخات مرة، وبغمزات مرات أخرى، والبعض لا يعرف ماذا يفعل فيبدأ في إيذاء خلق الله باللفظ مرة وبالألفاظ والحركات مرات». عائدون من الفرز لكن العشرات الذين وجدوا أنفسهم راسبين في أول نقطة فرز على طريق شرم أبحر، أعادوا السؤال على مسامع من أمطرهم بوابل من المبررات التي تمنع الشباب من دخول المنطقة: «لكن البعض من الشباب، لا يسرق من البحر متعته، والبعض لا يعرف من البحر إلا العشق، والبعض لا يأتي إلى البحر إلا لبناء عش الذكريات على الرمال، التي يأخذها موج البحر سريعا، والبعض لا يرتقي لإيذاء أحد، لأنهم تعاملوا كيف يأخذون من البحر ما لا يفسد الأجواء على الآخرين، وكيف يستمتعون بالبحر بلا منغصات على الآخرين». إلا أن أصوات الشباب راحت تدور حول نفسها، فلا طائل من الحديث، وصدى الكلمات يعود بين جنبات الشاطئ، ولا إجابة. سألوا مجددا أين ترانا نذهب في العيد، وهل بات الشاطئ، والكورنيش مقسما مثل المراكز التجارية، لعائلات وعزاب، وهل بات الشباب جميعهم وكلهم مثل النموذج الأوحد، يستحقون العقاب، وألا يجب أن نربي في الشباب نشأة العقاب للمخطئ والثواب للجميع، أم نكرس فيهم المبدأ المرفوض اجتماعيا، ومفاده: «السيئة تعم والحسنة تخص». أحد الشبان عد طرد الشباب من هذه المنطقة ليس له مبرر واضح: «البحر المكان الوحيد الذي لا يستطيع أي أحد أن يمنع الناس من ارتياده باعتباره مكانا مفتوحا، وهو المكان الذي يرتاح فيه الشخص خصوصا عند رؤية البحر الواسع». البعض يرى أن التصفية الشاملة من الشباب في الشرم، متسرعة، وربما ليس لها سند منطقي، خصوصا في ظل تمسكهم بنظامية التواجد: «أوقفنا سياراتنا في الأماكن المخصصة، وجلسنا نداعب الأمواج، ولا نزعج الأسماك، فضلا عن الآخرين، لكنهم أمرونا بالرحيل، فساد الهدوء المكان، واستسلمنا للأمر الواقع، حتى باتت الرابعة فجرا التي بدأنا فيها أمر الإخلاء كابوسا للموجودين في المكان كما يصفها الشاب عمر حسن -22 عاما . لسنا متشابهين ويرفض محمد صالح 27 عاما، أن يؤخذ جميع الشباب بجريرة بعض الطائشين: «المزعجون لا يحبون الاسترخاء في مكان واحد، بل تجدهم متجولين في كل مكان، ومن غير المبرر أن يطرد كل الموجودين في المنطقة لجرم شباب طائشين، خصوصا أن المعروف أن الجلسات الشبابية غالبا ما تكون في قمة الهدوء، ومن النادر جدا أن تجد مجموعة مزعجة هناك ترحيل مرفوض كما عد علوي، 33 عاما، أن السياحة التي يتحدثون عنها باتت في نظر الشباب وهمية: «نحن لا نجد سوى البحر متنفسا لنا، وأيضا نطرد منه، فلا الأسواق تحتضننا ولا الملاهي تستقبلنا، كلها موجهة للعوائل، فتوجهنا إلى البحر لعدم وجود العوائل في المنطقة، فنفاجأ بترحيلنا من المكان». كما أشار أحد الشباب، طلب عدم ذكر اسمه، أن وجود الشباب في مكان عام ومفتوح يجعل الرقابة عليهم أبسط مما لو كانت في أماكن مغلقة يمارسون فيها المنكرات، وغيرها: «لو طرد الشباب من البحر فحتما سيتوجهون إلى الأماكن المغلقة وهناك لا حسيب ولا رقيب، مما يتسبب في تدمير الشباب، بدخول بعض ضعاف النفوس، فوراء الأبواب المغلقة يتم الفساد، ولا نظن أنه في ظل القيم التي تحكم المجتمع، يستطيع أحد التجرؤ للخروج عن الأمر الواقع». لماذا الطرد الشاب حمزة 23 عاما، قدم من مدينة الرياض ليقضي أيام عيد الفطر في جدة، والاستمتاع بأجوائها البحرية، استغرب جدا من طرد الشباب بهذا الشكل وفي موسم كهذا: «أتيت من الرياض لأشاهد البحر وأجلس بجواره، لكني فوجئت أننا طردنا من المكان من غير أي سبب، فلم يكن هناك أي شغب أو محاولات لإيذاء العوائل مثلا، ومثل هذه التصرفات التي تمارس ضد الشباب قد تؤدي إلى أضرار أكبر مما يجعل البعض ينتقم بطريقة أو بأخرى، ونحن الشباب نملك الكثير من الطاقة والوقت فنحتاج إلى الأمان والراحة، حتى لا نشعر بالتهميش أو الكبت من ناحية أخرى، ويكفي ما يعانيه الشباب من رسائل سلبية، ألم يحن الوقت لاكتساب الشباب والاستفادة من طاقاتهم بدلا من تهميشهم ووصفهم بالأوصاف غير اللائقة؟». ويعترف أحد أولياء الأمور الذي كان موجودا في المكان مع عائلته، وشاهد منظر طرد الشباب من البحر، أن بعض الشباب مشاغبون: «ليسوا سواء، في إيذاء العوائل سواء ببعض الكلمات النابية، أو ممارسة أنواع الإزعاج في المكان، غير أنني لم أشاهد في ذلك اليوم أي إيذاء أو غيره، فالوجود الأمني كان متميزا، ومن الصعب أن تجد أي إيذاء من الشباب للعوائل أو تعطيل الشارع بإيقاف السيارات». ويرى أبو أحمد أنه: «يكفي أن الأسواق والملاهي وأغلب الأماكن مغلقة أمام الشباب، فلماذا يطردونهم من البحر أيضا؟، ومثل هذه الممارسات ضد الشباب قد تؤدي بحياتهم إلى الخطر، فيضطرون إلى الجلوس في الأماكن المغلقة والاستراحات التي غالبا ما يمارس فيها الشباب كل ما يضرهم، علينا ألا نجعل الشباب في آخر قائمة الاهتمام». مناطق مزدحمة من جانب آخر أوضح الناطق الإعلامي بالشرطة العقيد مسفر الجعيد أن هذه المناطق تكتظ بالشباب الذين يثيرون الفوضى والشغب في المكان ما يتسبب في إزعاج الناس: «كنت هناك قبل أيام، ووجدت الكثير من الشباب يقومون بالفوضى وإثارة الشغب خصوصا في ليالي العيد، فالوضع هناك مزرٍ جدا، وأدرك أن أغلب من يقومون بهذه الفوضى من الشباب الذين يريدون الإساءة إلى سمعة البلد، حيث يقومون برفع أصوات الأغاني من سياراتهم ومن ثم يبدؤون في الرقص، كما يتسببون في عرقلة سير السيارات مما يتسبب في الزحام الشديد». ترحيل المزعجين وأشار الجعيد إلى أن أغلب هذه الأماكن يزورها العوائل فيحرص بعض الشباب على الجلوس في هذه الأماكن، فيتسببون في المضايقة لهم ويؤذونهم بالألفاظ أو بعض الحركات غير اللائقة: «الشاب المحترم لا يوجد في أماكن ترتادها العائلات، فيستحي من نفسه ويرحل، إلا أن البعض لا يفهمون هذه اللغة، فنضطر إلى ترحيلهم من المكان». وحول توفير أماكن بديلة تختص بالشباب، ذكر الجعيد: «لا أدري عن هذه الخطوة، ولكن البحر كبير، فيستطيع الشباب أن يختاروا لأنفسهم أماكن لا ترتادها العائلات، فيستمتعون بالبحر من غير أي ضرر أو إيذاء» .