شهدنا خلال الأيام الماضية أحد برامج الواقع «المتناقض» باسم «شرّ البلية ما يضحك»، حيث انطلق جدالٌ وحربٌ شعواء تجاه سلسلة متاجر هايبر بنده، بسبب قرارها توظيف فتيات سعوديات «بمهنة كاشير». وعند قراءة تعليقات القراء في المواقع الإلكترونية، تكاد تجد الردود تساق بحجج «هشّة» وآيات وفتاوى في غير سياقها، وكأنها حملة «تجييش رأي عام» لتبني وجهة نظر واحدة، دون إمهال العقل للتفكير والتدبر كما أمرنا رب العالمين. فالفتاة السعودية تعمل «محاسبة وكاشير» في المستشفيات الخاصة، وموظفة استقبال وصيدلانية وعلاقات مرضى، ونتعامل مع السيدات «المفترشات» البسطات التجارية في الأسواق، أو بجانب سياراتهن أو أماكن البيع بطريق الثمامة. كل هذا لا ضير فيه! ويتم التعامل معه يوميا دون اعتراض ولا صخب، ولكن أن يتم توظيف الفتاة «كاشير» في شركة كبرى وتحظى بعقد عمل وراتب شهري وتأمين طبي ومزايا وظيفية ومكان للعمل لائق ومكيف، وبه كاميرات مراقبة على مدار الساعة ورجال أمن، فهذا هو الحرام والعيب ومشروع تغريب المرأة السعودية وإفسادها وإخراجها من بيتها! سوء الظن المقدم دائما والنظرة الدونية للمرأة على أنها «متاع» للرجل هي أحد أضلاع هذه الحملة، وكأن المجتمع لدينا يستعد لافتراس المرأة حال خروجها، ليكون العزف على وتر «العفّة» و«الاختلاط» كفزاعة ضد توظيفهن، متناسين دور وحضور النساء منذ بدء الإسلام ممثلا في العديد من السيدات على رأسهن أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكتب التاريخ توثق تواجد المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل. الإسلام يتعامل مع المرأة باعتبارها إنسانا، كما يتعامل مع الرجل، وباستثناء التشريعات التي تخص التكوين الطبيعي الخاص للرجل أو المرأة، فإن مسؤولية البناء والنهوض بالأمة والحضارة تقع على الاثنين معا، ومن يتمعن في القرآن الكريم عن مكانة المرأة وموقعها جنبا إلى جنب مع الرجل في حمل المسؤولية والتنمية الاقتصادية وبناء الحضارة، فسيجد الشيء الكثير الذي تعمد حجبه المغرضون.