كغيره من شيوخ وعلماء ودعاة أرض الكنانة الذين جاؤوا إلى الدنيا من صعيد مصر، حيث يتعلق الناس هناك بالقرآن ويشتغلون به حفظا وتلاوة ودرسا، فيجيد ذلك كثير منهم ثم لا يلبثون أن يشدوا الرحال إلى قاهرة المعز للالتحاق بالأزهر الشريف، ويبرز هناك النجم ويأسر القلوب سواء خطابة أو ترتيلا على نحو الشيخ محمود خليل الحصري الذي ولد ونشأ في قرية شبرا النملة التابعة لطنطا بمحافظة الغربية بمصر، وهو- رحمه الله- من أبرز القارئين المقرئين لكتاب الله، حيث أجاد قراءة القرآن الكريم بالقراءات العشر. دخل الشيخ الحصري الكتاب وعمره أربعة أعوام ليحفظ القرآن، وأتم الحفظ في الثامنة من عمره، وفي ال12 انضم إلى المعهد الديني في طنطا، ثم تعلم القراءات العشر بعد ذلك في الأزهر، وأخذ شهاداته في علم القراءات، ثم تفرغ لدراسة علوم القرآن، ولما كان يتمتع به من صوت متميز وأداء حسن، تقدم عام 1944 إلى امتحان الإذاعة وكان ترتيبه الأول على المتقدمين للامتحان، وكان أول من سجل المصحف الصوتي المرتل برواية حفص عن عاصم، وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى. لم تكن موهبة القراءة وحدها هي التي تميز الشيخ الحصري، فهو متدبر عميق فيما يقرأ، وله رؤيته الرشيدة في القراءة التي عنت له علما وأصولا، فهو يرى أن ترتيل القرآن يجسد المفردات القرآنية تجسيدا حيا، ومن ثم يجسد مدلولاتها التي ترمي إليها تلك المفردات، كما أن ترتيل القرآن يضع القارئ في مواجهة مع النص القرآني، تشعر القارئ له بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. خلال حياته عمل إلى جانب القراءة في كثير من المؤسسات الدينية التي خدمها بتفانٍ وكفاءة عالية، وقد عمل مفتشا للمقارئ المصرية، ووكيلا لمشيخة المقارئ المصرية، ومراجعا ومصححا للمصاحف بقرار مشيخة الأزهر الشريف، وكان أول من ابتعث لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند. وله العديد من الأسبقيات الكريمة في التلاوة، فهو أول من سجل المصحف المرتل في أنحاء العالم بروايتي قالون والدوري، وأول من سجل المصحف المعلّم في أنحاء العالم، وأول من رتل القرآن الكريم في العالم بطريقة المصحف المفسر (مصحف الوعظ)، وأول من رتل القرآن الكريم في أنحاء العالم الإسلامي في الأممالمتحدة أثناء زيارته لها، بناء على طلب جميع الوفود العربية والإسلامية، وهو أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن، ودعاه مجلس الشؤون الإسلامية إلى المدينتين البريطانيتين ليفر بول وشيفلد، ليرتل أمام الجاليات العربية والإسلامية في كل منهما. وإلى جانب ذلك كله، امتد جهده وأفرغ طاقته في كل ما يتعلق بكتاب الله، فأنجز من المؤلفات: أحكام قراءة القرآن الكريم، القراءات العشر من الشاطبية والدرة، أحسن الأثر في تاريخ القراء الأربعة عشر، مع القرآن الكريم، رحلاتي في الإسلام، وغيرها، وظل صادحا بآيات القرآن حتى وافته المنية في عام 1980، وقضى 55 عاما من عمره مع القرآن الكريم.