طالب الشيخ خالد الخليوي، المكاتب الدعوية بمقاطعة المشايخ الذين يضعون شروطا مالية صعبة مقابل إلقاء محاضرة أو درس، مشيرا إلى أن انتشار الدعاة وطلبة العلم على الفضائيات وإصرارهم على الحديث في مختلف الأمور، ظلم المتخصصين في المجالات العلمية. وقال الشيخ الخليوي ل«شمس»: إن قضية المرأة مسؤولية الجميع، وإن كان لا يوجد أي مبرر للمرأة كي تخطئ، لافتا إلى أن الله سبحانه وعد بالنصر للمتقين، كما أن حسن الظن بولاة الأمر وبالشعب السعودي يبشر بأن تبقى المملكة نبراسا للعالم الإسلامي في الالتزام بحدود الشرع. وذكر الشيخ الخليوي، وهو خريج كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1410ه، أن لديه مآخذ على حلقات التحفيظ «المحاضن التربوية»، لكنه يراها أفضل المتاح حاليا، مطالبا في الوقت ذاته القائمين عليها بالابتعاد عن أفكار الإقصاء والتشدد والمزج بين ما هو ديني وما هو دنيوي، حتى يتحقق الهدف المرجو منها.. كما تطرق الشيخ خالد للعديد من القضايا، كعلاقته بالقضايا الاجتماعية التي يطرح لها الحلول، وقصته مع شهر رمضان ورؤيته لعدد من الأمور العامة.. فإلى نص الحوار: أطلقتم موقع الإحسان على الشبكة العنكبوتية بالتزامن مع بداية شهر رمضان المبارك.. ماذا يعني لكم التوقيت؟ التوقيت مقصود وإطلاق الموقع في بداية شهر رمضان المبارك، هو طلب لبركة الله تعالى التي تتنزل على الناس في هذا الشهر، علها أن تتنزل على موقعنا فينفع الله به. ما فكرة الموقع وماذا عن أهدافه؟ وجود موقع إلكتروني مطلب يلح علينا منذ أن بدأت المواقع في الظهور، لكن الإنسان يجب عليه إما أن يقدم شيئا جديدا، أو يقدم شيئا قديما بطرح جديد، أما أن تفتح موقعا هكذا وانتهت القضية، فهذا لا يحسن. الآن تلاحظون وبكل صراحة أن قنوات فضائية يكرر بعضها بعضا، وفعلا لا يمر عليها ستة أشهر أو عام إلا ويتركها الناس، لأنها لا تقدم شيئا جديدا، كذلك المواقع كثير منها نشأ ولم يقدم شيئا جديدا، ونحن نحسن الظن بربنا جل وعلا ونحسب أننا قد وفرنا مجموعة من الأسباب لنجاح موقعنا الذي بني على مجموعة من النقاط، منها تقديم الفائدة المختصرة والتنويع في الطرح، ولدينا والحمد لله أكثر من عشر نوافذ متنوعة. كذلك حرصنا على أن تكون الأطروحات قدر المستطاع جديدة وغير مكررة، كما أن الأشخاص الذين يشرفون على الموقع جميعهم جدد على الساحة الإسلامية، لكنهم قادرون على النفع والعطاء والموقع أتاح لهم الفرصة. ما الذي يميز موقع الإحسان عن بقية المواقع الإسلامية؟ وكيف تقيم استغلال الدعاة والمصلحين للصحافة الإلكترونية والإنترنت؟ هم بدؤوا في استثمار المواقع الإلكترونية ولم يصلوا إلى الدرجة المرضية، في حين أن بعض الدعاة والخبراء حرموا أنفسهم من خير كثير عندما لم يدخلوا إلى الإنترنت بحجة أن الفرصة لم تتح لهم، قد يكون ذلك صحيحا، لكن على الإنسان الاقتراب من الفرصة وليس انتظارها، ولا أظن أن الفرصة هي التي طرقت أبواب الدعاة والمؤثرين. هل تتذكر أول يوم صمته؟ الحقيقة لا أتذكر أول يوم صيام، لكن الذي أتذكره وأنا لست كبيرا في السن، وقد أدركت شيئا من الفقر، أننا كنا نصوم في الحر الشديد ما يقارب 17 ساعة، ولم يكن لدينا إلا مكيف واحد في البيت في غرفة والدي، فكان يغلق الباب بينما نحن نضع وجوهنا بالقرب من عتبة الباب حتى يخرج لنا بعض الهواء البارد. كانت الأطعمة محدودة جدا، فالسمبوسة مثلا لا نعرفها إلا النزر اليسير، لكن مع هذه البساطة والفقر، كان الناس في ألفة ومحبة. وأذكر أن والدتي كانت تبعثني عشرات المرات إلى الجيران لأقدم لهم الشوربة أو المكرونة، فيملؤون لنا الإناء بعد أن يأكلوا ما فيه. أنت من الأسماء المهمة التي برزت في مجال التربية ومشكلات الشباب، ما هي أهم الخلاصات التي أفرزتها تجربتك في هذا المجال فيما يتعلق بالمجتمع السعودي تحديدا؟ أول نقطة أنا أقحمت رغما عني في موضوع المشكلات الاجتماعية، فدراساتي كلها دراسات شرعية محضة، حيث إنني درست على الشيخ البراك 22 عاما، لكن لا أدري ما الذي جعلني مرجعا لشريحة من الناس في علاج مشكلاتهم والحديث عنها. والحق أن برنامج «أريد حلا» شكل المنعطف الأهم في هذا الاتجاه، فقد أصبح الناس بعده يلتفتون لي على أنني قادر على حل مشكلة ما. وقد وصل الأمر في ظنهم بهذا البرنامج أنهم كانوا يحسبون أن هناك عصا سحرية لحل المشكلات، لدرجة أن بعضهم كان يتواصل ليحل مشكلة دراسية أو مالية تتعلق بالقروض والديون، وهذا فهم خاطئ للبرنامج. بعد ذلك أصبحت أشارك في بعض الخطوط الساخنة لعلاج بعض القضايا والمشكلات، والواقع أنني أحرص فيما يتعلق بالشباب، على الحديث عن نقاط منهجية في الحياة، لا نقاط شرعية. فعلى سبيل المثال إذا أردت أن أتكلم عن مشكلة المخدرات، أركز على قوة الشخصية وضعفها، ففي الغالب نجد أن من وقع في المخدرات ضعفت شخصيته أمام التجربة الأولى التي ظنوا أنها مجرد تجربة. وكنت أصيح بأعلى صوتي: «ليس كل شيء يصلح للتجربة». وكنت أرمي هذه القاعدة وأتركها تدور في عقل الشباب، مشددا على أن الحياة بالفعل فيها خيارات كثيرة لكن ليس كل شيء يصلح للتجربة لأن بعض التجارب قد تقضي عليك من أول مرة، وكنت كذلك أؤكد على أننا مهما لمنا الشباب وأنبناهم فالباب لم يغلق بعد. مع كثرة المحطات الفضائية المحافظة ظهر على الشاشة عدد من الشخصيات، يقدمون أنفسهم كمستشارين اجتماعيين، رغم قلة خبرتهم وعدم تخصصم.. من المسؤول عن هذه الظاهرة؟ الشخص نفسه يتحمل جزءا من المسؤولية، والمسؤول الثاني هو القناة التي تبرزه، وأحيانا يتبين لها من خلال التجربة أن فلانا لا يقدم جديدا ومفيدا في الباب المخصص، لكن رغم ذلك ولاعتبارات المعرفة والواسطة يستمر في الظهور. وفي ظني أنه يجب على الداعية أن يكون شجاعا مع نفسه وإن دعي إلى الحديث في شأن لا يتقنه أن يعتذر، والحق أن الدعاة وطلبة العلم ظلموا المتخصصين، فأحد الاجتماعيين المشهورين وهو الدكتور إبراهيم الجوير لم تتم الاستفادة منه كثيرا على الصعيد الإعلامي، فلما سئل قال: «ظلمَنا طلبة العلم فهم في النفس يتحدثون وفي الاجتماع يتحدثون وهم غير متخصصين». رغم أنك اسم دعوي معروف وقديم إلا أنك بعيد عن الإثارة وعن الاشتباكات الإعلامية خاصة في القضايا التي شغلت الرأي العام أخيرا، هل يعكس ذلك تفضيلك للإصلاح بصمت؟ لو استنصحتك هل تفضل أن أقوم بالإصلاح بصمت وهدوء أم أختار مجموعة من القضايا وأثيرها وتخرج صورتي في الصحافة ويتحدث عني الناس؟ ربما ترضى نفسي بذلك لكن ماذا إذا لم يرض ربي عني في هذا المنهج؟ أنا لا أثير ولا أتعمد التطرق إلى النقاط الحساسة، وهناك من يبتليه الله بمرض الشهرة وهو مرض خطير على من أصابه، وعليه أن يسارع للعلاج منه، وضعفاء الإيمان وضعفاء العلم هم الذين يعتمدون على منهج الإثارة. يتهم الدعاة والمصلحون أحيانا بالتفريط في شؤون أسرهم وضعف علاقتهم بأبنائهم، بل إن هناك من يشير إلى أن بعض أبناء الدعاة يعيشون حالة تربوية مناقضة للقيم التي يدعو إليها الآباء.. ما تعليقك؟ القاعدة الأصولية تقول: «بالتفصيل يكون التحصيل»، وهذه القضايا ليس فيها إجابة واحدة، بعض طلبة العلم اهتموا بالناس وأهملوا أهلهم وخالفوا القاعدة الشرعية القائلة: «الأقربون أولى بالمعروف» وبعض الدعاة عندهم توازن. أنا شخصيا قصرت في المرحة الأولى، حتى التفت بعد ذلك إلى نفسي وحزمت معها وبدأت أترك بعض القضايا العامة وأنا قادر على المشاركة فيها حتى أسير على المنهج الصحيح، أصبحنا نخدر أحيانا بكلمة: احتسب، دون أن نسأل: على حساب من؟ على حساب أهلي والأقربين. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحرص الناس على الناس يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فقط. في موضوع مراكز الأحياء خضت تجربة مليئة بالتفاصيل الاجتماعية الهامة، بماذا تلخص هذه التجربة؟ أريد أن أقول شيئا بهذا الصدد، وياليت صوتي يصل إلى المسؤولين الكبار. الشباب الآن يحتاجون إلى برامج لا إلى توجيه فقط، نحتاج إلى مراكز اجتماعية فيها أماكن للترفيه الآمن تصل من خلالها الرسائل الإيجابية للشباب. والحقيقة أن الوضع سيختلف لو كان لدينا في كل حي مركز مصغر يشبه مركز الأمير سلمان الاجتماعي، فإذا تحقق ذلك أعدك بالقضاء على المخدرات دون وضع ملصقات للتحذير.. من خلال هذه البرامج سنعالج عشرات القضايا والمشكلات دون محاضرات وتوجيهات. في تقديرك من يتحمل مسؤولية الوضع الاجتماعي المعقد الذي تعيشه الفتاة في مجتمعنا، وإلى أين ستذهب المعركة بين التيارات في السعودية بشأن المرأة؟ سأبدأ بالشق الثاني وأقول: الله أعلم إلى أين ستذهب الأمور، ولكن نحن عندنا وعد من الله أن العاقبة للمتقين «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون» والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة»، كما أننا نحسن الظن بحكام هذه البلاد التي قامت على شرع الله، ونحسن الظن أيضا بأن أهلها سيحافظون على هذا المبدأ حتى تستمر هذه البلاد نبراس خير لبقية بلدان الأرض. أما فيما يخص سؤالك عمن المسؤول عما يحصل للمرأة، فليس هناك شخص محدد، فالجميع شركاء في المسؤولية. كما أنه لا يوجد مسوغ للفتاة كي تقع في الخطأ ف «كل نفس بما كسبت رهينة»، كما أن الإعلام يتحمل الجزء الأهم من هذه المسؤولية. في التجربة الإعلامية للشيخ خالد، ما هو البرنامج التليفزيوني الأكثر تأثيرا وتفاعلا، وماذا سيقدم الشيخ خالد على الشاشة هذا الموسم؟ برنامج «أريد حلا» لأنه أول برنامج على قناة «المجد» متخصص في القضايا الاجتماعية. وقناة «المجد» كانت من أوائل القنوات المحافظة وكان عنوان البرنامج جذابا، والتواصل من خلاله كان كبيرا، هذا البرنامج توقف منذ سبعة أعوام ومع ذلك كلما قابلني شخص في خارج أو داخل البلاد يسألني عن البرنامج وأخباره ولماذا أوقف. لكن بعد ذلك كثرت الخيارات وقدمت مجموعة من البرامج مثل «حياة الصالحين» و «رحلة التدبر» و «مع الرسول» و «نفحات الأسماء» فضلا عن برنامج «اسمعوني» وبرامج إذاعية على mbc fm. أما هذا الموسم فهناك برنامج «أنوار الحكمة» الذي صورته في تركيا في جو حر وأتحدث فيه عن مجموعة من الحكم، وهو يعرض على عدد من القنوات. بعيدا عن الجدل الذي يثار حول المحاضن التربوية الصحوية.. هل يعتبرها الشيخ خالد نموذجا تربويا قادرا على إنتاج شخصيات متزنة بعيدة عن العقد والتطرف؟ إلى حد كبير نعم. هي أفضل الموجود وفيها خير كثير، لكن لا يعني ذلك أنها مثالية. يجب أن ننمي عملنا في هذه الحياة، ولا نكتفي بردم الحفر فقط.. الحياة تحتاج إلى بناء وتنمية أيضا. ما الذي يأخذه الشيخ خالد على هذه المحاضن؟ لا أستطيع أن أحدد لأن المحاضن دائرة واسعة، لدي عنها ملاحظات عامة، مع تأكيد أنني لست فوق قمة جبل فأنا من ثمرات هذه المحاضن ولست بمنأى عنها.. أستشكل على بعضهم عدم الحرص على العلم الشرعي والالتفات كثيرا للثقافة المعاصرة فقط. وفي الطرف الآخر هناك من يحرص جدا على العلم الشرعي لكنه لا يلتفت لأي قضية معاصرة.. كذلك بعض المحاضن لا يملك القائمون عليها رؤية واضحة وشاملة تنقل إلى الطلاب وبعض يقوم بعملية إقصاء للمخالف وهذا خطير. وإلى فترة قريبة وبعضهم في هذه المحاضن يقول: إن من أراد أن يخدم الدين فعليه أن يدخل إلى كلية الشريعة أو أصول الدين فقط، وهذه نظرة قاصرة لم يكن عليها علماؤنا، فالإسلام لا يقوم بالقاضي وإمام المسجد وعالم الشرع فقط، وليس من المهم أن تتشابه أصابع اليد الواحدة، المهم أن تتعاون. في الآونة الأخيرة تسربت بعض الأسماء الدعوية ونشطت في الخارج أكثر «تحديدا في قطر» كيف تقرأ هذا الاستقطاب القطري؟ وهل تلقى الشيخ خالد عرضا مشابها؟ قطر فيها نشاط طيب ومفتوح وعملي، وفي قطر كأنني أعمل في بلدي و «أينما ذكر اسم الله في بلد.. عددت ذاك الحمى من لب أوطاني»، فالإنسان يدعو في كل مكان، وقطر من أقرب الأماكن وأيسرها، ولكنني أتمنى على إخواني الدعاة ألا ينجرفوا كثيرا وراء المادة التي تؤثر على نياتهم وإخلاصهم وتنقض بركة عملهم.. لقد أصبح بعض طلبة العم يشدد ويشترط مبالغ مالية عالية مقابل المحاضرة أو الدرس وكأننا أصبحنا لا نتحرك إلا بالمال. وقد سمعت من بعض المسؤولين عن مكاتب الدعوة في السعودية أن بعض الدعاة إذا تم التواصل معهم لإلقاء محاضرة يبدؤون باشتراط شروط فيها مبالغة قد تفسد النيات، فمنهم من لا يقبل إلا بفندق خمسة نجوم وسيارة آخر موديل ومبلغ مالي كبير، رغم أن هذه المكاتب تجمع المال بالتعب والكد لتوفره لمشروعاتها، بل إن بعض الدعاة يزيد الطين بلة ويكسر ظهور هذه المكاتب ويصعب عليهم القضية، ولذلك أنا أعلن بوضوح: الدعاة الذين يشترطون عليكم مثل هذه الشروط لا تطلبوا مجيئهم، والبقية فيهم خير وبركة. مشروع أو هاجس يشغل تفكيرك كثيرا وتحلم بتحقيقه؟ المشاريع كثيرة، وأنا أستحضر دعاء إبراهيم عليه السلام «واجعل لي لسان صدق في الآخرين» وفي هذا يقول الشاعر: «قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات»، عندي أفكار كثيرة ومن أهمها إطلاق قناة، فكرتها جديدة وغير موجودة في الساحة الآن. كلمة أخيرة؟ أشكر صحيفة «شمس» على هذا الحوار، وأسأل الله لكم التوفيق والسداد في الدنيا والآخرة .