من يمارس عملا الآن، أو كان موظفا سابقا، يدرك أن المؤسسات الحكومية أو الخاصة التي نعمل فيها تواجه مشاكل حقيقية في توظيف قدرات الموظفين لديها، فعلى سبيل المثال قد يجد الموظف الناجح نفسه ضحية لنجاحه، ليس لأن مديره يحسده ويخشى منه، بل لأن هناك اختلالا في الرؤية والتفكير، فالموظف الناجح يستطيع أن ينجز عمله بشكل ممتاز، ومن هنا تبدأ مشكلة هذا الموظف، لأن رؤساءه في العمل سيبقونه في مكانه لقناعتهم أن أحدا لن يستطيع أن يحل مكانه، ومن هنا سيشعر هذا الموظف بالغبن، وقد يذهب به الظن إلى أن هذه ضريبة لنجاحه، يقود إليها حسد الآخرين له، هذا في حقيقته ضريبة لكن ليس بسبب الحسد، بل بسبب قصور التفكير الإداري لدينا. على العكس من ذلك، هناك ممارسات أخرى، فمن ينجح في عمله يكافأ بالترفيع إلى وظائف قيادية، قد يكون هذا الموظف الناجح ليس أهلا لها، فالمدرس الجيد والمتميز مكافأته أن يكون مديرا لمدرسة، فيخسر الطلاب أستاذا مفيدا، وقد تكسب المدرسة مديرا فاشلا، وهذا الأمر يحدث مع الأطباء وأصحاب المهن الأخرى. مشكلة النموذجين السابقين أن كليهما في النهاية يقضي على التميز الوظيفي، ويؤدي إلى إهدار الكثير من الطاقات التي لو تركت في مكانها لقدمت الكثير، وتركها في مكانها لا يعني عدم إعطائها ما تستحقه على مختلف المستويات المادي منها والمعنوي. الثقافة السائدة والأنظمة غير المرنة تلعب دورا في هذا الإهدار للطاقات، فالسلم الوظيفي لا يراعي أن يحصل المدير في العمل على راتب أقل من موظفيه، لأنهم يقومون بدور أهم منه، كما لا يراعي أن الوظائف الإدارية يجب أن تشغل بمتخصصين في الإدارة، ومن العيوب أيضا أن الموظف لا ينظر إلى خبرته وتميزه في وظيفته الحالية، ولا يتم التعامل معه كخبير له صلاحيات ومسؤوليات، بل في النهاية هو مجرد موظف يؤمر فيمتثل، وغيرها الكثير من العيوب التي تسود الأنظمة الوظيفية، أما على الصعيد الثقافي فقلة من الموظفين الذين يعرفون أين دورهم الحقيقي دون أن ينزعجوا من عدم حصولهم على مناصب عليا.