يعد الرئيس السنغالي عبدالله واد، 74 عاما، آخر جيل الكبار الذين عاصروا مرحلة التحولات الكبرى في القارة الإفريقية السمراء، مثل بورقيبة وعبدالناصر ولومومبا وهواري بومدين. ويملك ماضيا يؤهله لأداء دور يتجاوز السنغال، يمتد من الخرطوم وغزة وإنجامينا إلى مومباي وموسكو وبكين. وهو المثقف المخضرم الأكثر حيازة للشهادات العلمية بين الرؤساء. وما زال يتمسك بالسلطة، حيث أكد عزمه الترشح لولاية رئاسية ثالثة في انتخابات 2012 المقبلة. وأوضح أنه واثق من أن الناخبين سيصوتون لصالحه، معتبرا أن تقدمه في السن ليس عائقا أمام بقائه لخمسة أعوام جديدة في الحكم. ترك عبدالله واد مسقط رأسه مبكرا، وسافر إلى فرنسا ليتعلم وحصل على شهادتي دكتوراه في القانون والاقتصاد. ولما عاد إلى بلاده عمل في المحاماة وحقل التعليم الجامعي. وبدأ يتردد بين كبار المثقفين الأفارقة منذ وقت مبكر. وفي سبتمبر 1956، عقدت مجموعة من المثقفين القادمين من إفريقيا وأمريكا والكاريبي لقاء في جامعة السوربون بباريس، وكان بينهم إيميه سيزار وليوبولد سنغور وفرانز فانون وإنتا ديوب والمغنية جوزفين بيكر وواد لتدارس إنجازات الثقافة السوداء بكل تنوعها وشموليتها. وجاء للتضامن مع المجتمعين سارتر وشتراوس وبيكاسو. وعاصر أحداث القارة السمراء في أحرج مراحل تاريخها وانتقالها من التبعية الى التحرر، وكان محامي جبهة التحرير الجزائرية. وفي عام 1974، أسس الحزب الديمقراطي السنغالي. وبدأ ينافس سنغور في الانتخابات الرئاسية المتتالية ويحل في المركز الثاني. وكان قائدا للمعارضة لفترة طويلة، وسجن ونفي عدة مرات. وفي 1995 صار وزيرا للدولة، وغادر الحكومة عام 1998 ليعاود نشاطه الانتخابي إلى أن فاز بالرئاسة، للمرة الأولى، عام 2000، ليكون الرئيس الثالث للسنغال المستقلة، بعد سنغور وعبده ضيوف. اشتهر عبدالله واد بأداء عدة أدوار إقليمية وقارية وقيادة بعض مبادرات الصلح بين الفرقاء بصفته رئيس حكماء إفريقيا والاتحاد الإفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي. ويتميز بتفجير المواقف الصعبة وأبرزها عندما طالب بإلغاء منظمة الغذاء والزراعة الدولية «الفاو»، واصفا إياها بالحفرة التي تبتلع الأموال. كما دعا إلى إنشاء صندوق ل «التضامن المعلوماتي» لردم الفجوة التقنية بين دول الشمال والجنوب. وهو لا يتردد في انتقاد كبار المسؤولين في المؤسسات الدولية عندما يبدر منهم أي تقصير. وبعد كل هذه المناصب والمهمات الكبرى، وجد نفسه مطالبا بتوفير الأرز لبلد على شفير المجاعة، رغم أنه ينفي وجود مجاعة في السنغال. وكان رئيس البلاد الأسبق ليوبولد سنغور معجبا به وأطلق عليه عدة ألقاب. ووصفه أحد المعجبين بأنه «الرجل القوي الذي يبدو وكأنه يتغذى على النمور». وتفتخر السنغال بأنها واحدة من بين عدد قليل من الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى التي تفادت الانقلابات العسكرية، وجرت فيها تغييرات للحكومة من خلال صناديق الانتخاب. لكن المنتقدين يرون حماس واد للاستمرار في منصبه تذكيرا بقادة أفارقة مسنين آخرين يرفضون التخلي عن السلطة. بينما تقول شخصيات معارضة: إن النزعة الفردية تتزايد لدى واد، وإنه يحاول ترتيب انتقال للسلطة إلى ابنه كريم الذي يدير وزارة ضخمة مسؤولة عن البنية التحتية وتخطيط الأراضي رغم افتقاره إلى الخبرة السياسية .