يعكس حضور الرئيس الروسي السابق رئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين، الطاغي على المشهد السياسي في بلاده، الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها بين الجماهير. وهي شعبية يقر بها مؤيدوه وكثير من معارضيه، وتعكس أيضا تأييد عدة جهات لجهوده في إقامة دولة قوية مستقرة يكون لها وزن دولي يتناسب مع ما تتمتع به من إمكانيات هائلة. وعلى المستوى السياسي نجح بوتين في وقف التدهور والتخبط الذي عانت منه روسيا في نهاية التسعينيات، واستطاع تكوين إدارة قوية. وبدلا من تراجع دور روسيا دوليا، عادت لتلعب دورا مؤثرا، وظهر وجود موسكو في عدة ملفات هامة تعارض فيها الموقف الغربي. تقف خلف بوتين حكايات عديدة، صنعت منه رجلا تحول إلى أسطورة يجدها الروس أينما حطت أنظارهم في شوارع موسكو. عشرة أعوام مرت على وجوده في السلطة جعلته سياسيا مميزا ومحاورا حاسما، قادرا على التصرف برشاقة في أسوأ الظروف. يرتجل المواقف ويتمتع بحس الفكاهة والتعاطي العفوي مع الناس، حتى ليبدو أفضل من الممثلين أنفسهم. وفاجأ بوتين المراقبين في مارس 2008، عندما أعلن أنه يقبل العمل رئيسا للوزراء بعد أن يغادر منصب الرئاسة، وبعد أن رفض تعديل الدستور ليستمر في كرسي رئاسة البلاد لأكثر من دورتين. وأعلن دعمه لديميتري ميدفيديف لخوض الانتخابات الرئاسية مرشحا عن حزب روسياالمتحدة. ونجح بوتين في ترجمة القسوة التي تكتنف ملامحه إلى أشياء إيجابية في مواقفه السياسية، وحتى في بزاته الرسمية التي يتمسك فيها بصورته الاجتماعية. واختار التوفيق بين شراسته الرياضية والسياسية، متعمدا الظهور خلال ممارسته ألعاب الدفاع عن النفس والسباحة والصيد. واستفاد بوتين من وصف مجلة «تايم» الأمريكية قيادته لروسيا بأنها «القيادة الناجحة في فرض الاستقرار على أمة لم تعرف الاستقرار لحقب طويلة، وأعادها إلى الساحة الدولية بوصفها قوة لها تأثيرها». ولهذا السبب قررت المجلة اختياره أبرز شخصية في عام 2007. «ولا يعني هذا تأييدا أو معارضة لبوتين، ولكن يعني اعترافا بتأثيره الواسع على الأوضاع في دولة بحجم وأهمية روسيا»، كما قالت المجلة حينها. ولا تكتمل الصورة إلا بالنظر إلى الجوانب السلبية من حكم بوتين، من بينها الاتهامات بتضخم ثروته بعد أن جمع نحو 40 مليار دولار وبعض الأسهم في ثلاث شركات غاز ونفط روسية عملاقة. وكانت صحيفة «الجارديان»، البريطانية عرضت على المتحدث باسم الكرملين هذه الاتهامات، فرفض التعليق عليها. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن حكم بوتين اتصف بقمع المعارضين بقسوة تصل إلى درجة التصفية الجسدية والاغتيال. وخلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، شكت الأحزاب المعارضة من عدم حصولها على فرصة حقيقية في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة ووضعتها في خدمة الحزب الذي يتزعمه بوتين. وأخيرا، قد يختلف البعض مع منهج بوتين أو يتفقون معه، لكنه بلا شك حقق هدفه الأساسي، وهو بناء دولة قوية مستقرة. ويبقى التحدى الأساسي أمامه هو الإبقاء على استقرار هذه الدولة وإدخال إصلاحات على نظامها تجعلها أكثر عدلا ورفاهية .