لا شك أن ثقافة العمل الخيري في بلادنا تخطو خطوات جيدة – رغم بطئها – فالناس طيبون ويتمنون أن يروا غيرهم بحال أفضل، خصوصا أنهم أمروا بأن يتعاملوا بأخوة حقيقية كما ورد في الدين الحنيف، ولكن عندما تضعف الرقابة الصارمة على أداء وسير هذه الأعمال فستنقلب الأمور من الخير إلى الشر. من خلال متابعتي لبعض هذه الأنشطة اكتشفت أنها أحوج من غيرها للمراقبة والتدقيق، لأن النفس البشرية ضعيفة وبالذات في زمن ضعف الوازع والضمير. كنت قادمة من شرق الرياض، فرأيت منظرا لا يكاد يصدقه عقل من يراه، رأيت طابورا طويلا من السيارات الواقفة في طابور خلف بعضها، لا تحتاج إلى من يخبرك أن هذه سيارات لفقراء تصطف أمام فرع لجمعية خيرية، لأن منظر السيارات البسيطة يخبرك أن أصحابها أتوا لأخذ لقمة عيش لأبنائهم. وعلمت أن أصحاب السيارات التي تقدمت غيرها في الطابور قد وضعها أصحابها منذ يوم أو يومين. ولو تم التقاط صور هذا الطابور من قبل وكالة أنباء عالمية وأوصلتها لكل بقاع الدنيا لوقعنا في حرج نحن في غنى عنه بسبب موظف «خيري» اختار أن يرتاح هو ويلقي بالتعب والمشقة على أكتاف هؤلاء المساكين المجبرين على تقبل أي إجراء تعسفي من بعض موظفي الجمعيات الخيرية أيا كان إجراء قاسيا شرط ألا يعودوا لأطفالهم خالي الوفاض. توزيع المساعدات الخيرية لا يختلف عن غيره من الأعمال التي يمكن أن تتم بطريقة راقية وحضارية وبعيدة عن البيروقراطية، خصوصا أنك تتعامل مع أناس بسطاء طيبي المعشر يتقبلون التعليمات بصدر مفعم بالحزن والهدوء والطوع. ولا يعني أن نكون موظفي جمعية خيرية أن نشعر بفوقية على إخوتنا المعوزين، بل إن ثقافة العمل الخيري وحب ما عند الله يجعلك تشعر بأنك خادم لهؤلاء ومؤتمن على راحتهم النفسية وحفظ ماء وجوههم دون الحاجة إلى لي أذرعتهم وحرمانهم من سياراتهم الخاصة ليوم أو يومين في طابورنا الخيري الذي لو منحنا أنفسنا دقائق معدودة للتفكير بظروفهم لما احتجنا لهذا التصرف اللا خيري!