مارتن لوثر كنج و باراك أوباما .. والحلم الأمريكي كتبت: زينب الإمام * الذكري الأربعون لحادث اغتيال مارتن لوثر كنج(10 يناير1929-4ابريل1968) تختلف هذا العام عن غيرها من الأعوام السابقة, فقد مرت في وقت يقف فيه أول ملون أمريكي منافسا في معركة الانتخابات الرئاسية وهوالحدث الذي لم يكن كنج يحلم به. فقد اقتصرت احلامه علي أمور جمعيها لاتتعدي أكثر من معاملة الملونين في الولاياتالمتحدة معاملة انسانية, وأن ينالوا حقوقهم المدنية كاملة بلا تمييز عنصري. ناضل من أجل وقف طوفان الاهانة والقهر الذي راح ضحيته الآلاف من الزنوج. طالب بحق السود في الانتخاب, ويوم وقع الرئيس الامريكي الاسبق نيكسون عام1965 قانون حق الاقتراع في الانتخابات للسود الامريكيين حسب ذلك نصرا لحركة الحقوق المدنية وضربة قاضية للتمييز العنصري. وما كان يتصور ولو للحظة أنه سيأتي اليوم الذي سيكون من حقهم خوض معركة الرئاسة وطرق باب البيت الأبيض! فما الذي كان يمكن أن يقوله الرجل في يوم كهذا و قد كان واحدا من أعظم الخطباء في تاريخ الولاياتالمتحدة! مشوار كفاحه قطع فيه ستة مليون ميل وألقي خمسة وعشرين الف خطاب في الفترة ما بين(1957-1968) جميعها تحث علي نبذ العنف و العمل علي أن يعيش الناس جميعا أشقاء في عالم يسوده العدل والمساواة و السلام. في عام1963 و قبل رحيله بخمسة أعوام نظمت مسيرة سلمية ضخمة في واشنطن في إطار حركة الحقوق المدنية وعند النصب التذكاري لابراهام لنكولن ألقي خطابه الشهير بعنوان' لدي حلم' قال فيه' أحلم أن يعيش أولادي الأربعة ذات يوم في أمة لا يقيمون فيها وفق لون بشرتهم و لكن وفق قدراتهم و صفاتهم الشخصية'. استمع له يومها أكثر من مائتي وخمسين ألف شخص من بينهم ستون الفا من البيض شاركوه هذا الحلم! وكان الأمل ضعيفا محاطا بالمخاطر. حلم كنج في خطابه هذا بأشياء كلها تطلعات لمستقبل أفضل للسود و البيض علي حد سواء من بينها تحول ولاية ألاباما الي وضع يتمكن فيه السود الصغار من ضم أياديهم الي أيادي الصبية و البنات البيض الصغار ويمشون معا كاشقاء وشقيقات!! وهاهو اليوم باراك أوباما السيناتور الامريكي من بني لونه! يحيط به الملايين من السود والبيض تقديرا لصفاته الشخصية بصرف النظر عن لون بشرته وفيما وصف بأنه ثمرة من ثمار شجرة جيل ما بعد انتصار حركة الحقوق المدنية تلك الشجرة التي أنبتت غيره من المبدعين والباحثين و السياسيين المرموقين.. وسواء تحقق ما يرنو اليه أو تعثر فيكفيه أنه حصل علي صفحات من تاريخ الولاياتالمتحدة تشهد له و ليس ضده! مازالت هناك مرارة و ثقوب متناثرة في حياة السود الامريكيين, حيث يعيش الغالبية من الشباب الهارب من التعليم تجمعهم البطالة والفقر و المخدرات و عصابات تقوي من ضعف المحيطين بها ينتهي بهم الأمر في السجون وأكبرهم في منتصف الثلاثينيات من العمر! عن سوء أحوالهم قدم بول هاريس في صحيفة الاوبزرفر تحقيقا مفصلا أكد فيه علي لسان شارلزستيل رئيس مؤتمر القيادة المسيحية الجنوبية( أسسها كنج عام1957) أنه لو كان كنج مازال حيا لاصيب بخيبة أمل كبيرة! فالعنصرية مازالت موجودة بدرجة كبيرة برغم صعود طبقة لا بأس بها من السود. و برغم ما يحيط باراك أوباما من حفاوة و مظاهر تأييد فالباطن شيء آخر و هذا هو الجانب المظلم لامريكا فمن لوس أنجلوس و شيكاجو ونيويورك وواشنطن وكنساس سيتي وحتي أطلنطا مسقط رأس كنج لم يتغير الوضع بل هو بركان خامد! حصل د. مارتن لوثر كنج علي جائزة نوبل للسلام عام1964 وهو في الخامسة و الثلاثين من عمره تقديرا لاتباعه سياسة اللاعنف في كفاحه من أجل الحقوق المدنية و القضاء علي التمييز العنصري! نهايته التي شهدتها مدينة ممفيس بولاية تنيسي مثال صارخ للعنف والتعصب علي يد الامريكي الابيض جيمس أيرل راي الذي حكم عليه بالسجن99 عاما ومات فيه عام1998. خلف حادث اغتياله ثورات ضد العنصرية في125 مدينة أمريكية أسفرت عن مقتل46 شخص و2600 جريح والقاء القبض علي21000 شخصا عام1968!! شعار باراك أوباما في حملته الانتخابية لعام2008 هو' التغيير ممكن'! ثمة تشابه بين الرجلين و إن كان كنج قد بدأ حياته قسيسا ثم دارسا للفلسفة و العلوم الاجتماعية, وأوباما درس القانون ثم أنخرط في الحياة السياسية الي ابعد مدي ولكن كلاهما يتمتع بقوة التأثير و روح الزعامة والاصرار والبعد الانساني والموقف السياسي الجريء. الأول ناضل وكان لديه حلم والثاني يسعي حتي تجاوز حد الحلم فهل هناك واقع لم يبلغه بعد؟! -------------------- * كاتبة بصحيفة (الأهرام) المصرية