لم يحدث خلال الخمسة عشر عاما الماضية أن تقدمت إليَّ امرأة بطلب استشارة قانونية لقضية زوجية من أجل معرفة مدى قوة أو ضعف موقفها وبيان الإجراءات النظامية الواجب اتباعها لتقديم دعوى طلاق أو خلع أو فسخ نكاح أمام المحكمة المختصة ، إلا وبدأت مشورتي بتذكيرها بالحديث الشريف (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، وتعمدي اتباع هذا الأسلوب ليس تقليلا من معاناة تلك المرأة ولا استهانة بشخصها ومكانتها ، بل القصد منه إرضاء ضميري وإبراء ذمتي من أن أكون سببا في هدم عش الزوجية وقهر الزوج وضياع الأبناء الأبرياء!؟ ومع أن معدل الطلاق بين السعوديين بالمملكة قد انخفض بما نسبته 18% مقارنة بالسنوات الخمس الماضية بحسب الإحصائيات التي أعلنت عنها مؤخرا وزارة العدل ، إلا أن إجمالي حالات الطلاق لا يزال مرتفعا إذا ما عرفنا بأن عقود الزواج التي وثقت في سجلات الوزارة بلغت 145.076 حالة ، بينما بلغت وقوعات الطلاق المسجلة رسميا 26.840 واقعة ، وبافتراض أن متوسط عدد الأبناء لكل أسرة (على أقل تقدير) ثلاثة أو أربعة فإننا سنكون أمام رقم فلكي قد يتجاوز المائة ألف نسمة من الأبناء (لا أود أن أقول المشردين) وإنما الذين لا يحظون بالعناية الأسرية اللازمة التي يمكنها أن تؤسس لبناء مجتمع خلاق ومنتج!! الملاحظ أنه كلما طرحت مشكلة الطلاق، يتم التركيز بشكل تام على ما تتعرض له الزوجة من معاناة تتمثل في هجرها أو تعنيفها أو هضم حقوقها (ومع تقديري لهذه الأسباب) إلا أن ثمة سببا جوهريا من المهم الاعتراف به أولا ومن ثم بحث سبل معالجته ، ألا وهو (تخبيب الزوجة) أي : قيام شخص آخر بخداعها وإفسادها أو تحسين الطلاق إليها لهدف وغاية في نفسه ، هذا الفعل المشين قد يحدث من قبل أهل الزوجة (خاصة الحماة المتسلطة) حين تحرض ابنتها على زوجها هكذا لمجرد العناد وفرض كلمتها ، وقد يحدث من قبل عشيق يرغب في الاقتران بها ، أو من قبل شاب مراهق يملك من الوسامة والأسلوب وحلاوة اللسان ما يمكنه أن يصور الصحراء القاحلة جنة مليئة بالجداول والمسطحات الخضراء والورود الحمراء!؟ هناك من الأزواج ، من تأكد له خلال فترة نظر القضية أن هناك من يدفع الزوجة لرفض العودة إلى بيت الطاعة مهما قدم من مغريات وتنازلات ، وبدلا من أن يقيم دعوى ضدهم بتهمة التخبيب حتى ينالوا عقابهم الرادع تجده يتعامل مع الموقف بشكل سلبي مكتفيا بقطع العلاقة معهم ، وهناك من الأزواج ، من تبين له بعد أن نجحت زوجته في كسب القضية والطلاق منه ، أنها تزوجت فور انقضاء العدة بصديق العائلة أو ذلك الطبيب أو المهندس أو المحامي الذي سبق لهما زيارته ، وبدلا من أن يقيم الحجة ضدهما ويطالب بفسخ عقد نكاحهما (لوجود فتاوى تحرم المرأة المخببة على من أفسدها) تجده يكتفي بالتباكي ، ولهذا تظل جريمة (تخبيب الزوجة) لعبة مفضلة لدى الكثيرين يمارسونها من باب إثبات الوجود أو المنافسة أو ملء وقت الفراغ!!