أصبحت السياحة في الفترة الراهنة صناعة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من مدلولات ومفاهيم ، لما تدره من مبالغ مالية ضخمة تسهم في رفع اقتصاد الدول ، ويعد الإنسان المدخل الرئيس الذي من خلاله يمكن أن تتنامى السياحة أو تتراجع بمستوى وعيه وثقافته ومدى اهتمامه ، وتتفاوت دول العالم من حيث استقطاب السياح وحجم العائد الاقتصادي بحسب القدرة على التخطيط السليم والرؤية الواعية في مجال الاستثمار السياحي وتهيئة البنية الأساسية ، ويبرز هنا دور وسائل الإعلام والاتصال والتكنولوجيا في التعريف بالمزايا السياحية ، وتنمية الوعي السياحي وتعميق الثقافة في هذا المجال. والسياحة تعد في جوهرها نوعاً من الاستهلاك ، ونشاطاً إنسانياً حركياً ، لها أبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. كما أشار (هيرمان كان) في مقالة نشرها في مجلة علمية عن مستقبل صناعة السياحة في العالم بقوله : (السياحة ستكون أكبر صناعة في العالم). نلحظ بأن السياحة لم تعد بذلك المفهوم البسيط مجرد نشاط ترفيهي وتسلية مؤقتة ومشاهدة مناظر خلابة فقط بل تجاوز هذا المفهوم الضيق إلى ما هو أعمق وأوسع فهي -أي السياحة- مصدر من مصادر الدخل بتوريد العملات الأجنبية وضخها كمورد يرفد الاقتصاد ، وينعكس إيجاباً على النواحي الأخرى كتوفير فرص التوظيف والاستثمار وتنمية جميع المناطق بما فيها الريفية ، وتحقيق تكافؤ فرص العمل بين المواطنين ، وتقريب المستويات الاقتصادية بين المناطق ، والتحفيز لاستمرار الصناعات التقليدية لترويجها كسلع يقتنيها السائحون كذكرى للمكان، كما أن نمو السياحة يؤثر في القطاعات الأخرى مثل النقل ، السكن ، الإعاشة ، الدعاية ، الإعلان ، وغيرها من الخدمات. والأهم من ذلك تقليص نسبة السائحون النازحين إلى الخارج وبالتالي الاحتفاظ بالمصروفات المالية هذا إذا ما عرفنا بأن المبالغ التي يصرفها السائحون السعوديون في الخارج تزيد عن 25 ملياراً في العام الواحد بحسب ما دونته الهيئة العليا للسياحة في أحد تقاريرها. ونتيجة للدور الكبير للسياحة والأهمية العظيمة فقد زاد اهتمام بعض الدول بها كمورد لا غنى عنه يفوق أنفس الثروات سواء كانت معدنية أو نباتية أو حيوانية ، بل أضحت الدول خصوصاً المتقدمة تسارع في التخطيط لاستقطاب أكبر عدد من السائحون ومن كافة أصقاع العالم ، من خلال الاستثمار الأمثل لكل أنواع السياحة مع الاهتمام بالمواقع الطبيعية بتهيئة البنية التحتية وتوفير كل وسائل الترفيه والتثقيف وتحقيق المتعة التي يبحث عنها السائح. وفي خضم هذا التنافس المحموم لتصنيع السياحة بدأت المملكة العربية السعودية تعزيز هذا القطاع الحيوي ، حيث خصصت هيئة عليا للسياحة والآثار تمارس أعمالها التثقيفية والدعائية بشكل يدعو للتفاؤل ، إلا أن الطموح أكبر من الممارس ، لاسيما وأن لدينا مزية تتمثل في السياحة الدينية إذ تستقطب بلادنا ملايين الحجاج والمعتمرين سنوياً ، وهذه السياحة تتميز أيضا في كونها مستمرة ومتنامية ، ليست هذه الميزة فحسب بل الاتساع الجغرافي والتنوع الطبوغرافي والمناخي والاستقرار المالي والأمن المعيشي والنفسي كل تلك عوامل تضيف من رصيد السياحة لدينا وتجعل مساحات التفاؤل كبيرة ، فهناك السواحل التي تمتد غرباً بمحاذاة البحر الأحمر أو السواحل الشرقية ، والرمال الذهبية في أواسط وجنوب البلاد والسلسلة الجبلية المتمثلة في جبال السروات وأجا وسلمى ، ووجود المواقع الأثرية الموغلة في القدم كمدائن صالح ، وغيرها من المقومات التي تحتاج فقط لتوظيف مدروس واستثمار أمثل. نصل إلى حقيقة (السياحة صناعة) إلا أن ميزتها عن الصناعات الأخرى كونها بلا دخان ، أي دون تلويث للجو ، وتحتاج إلى تأسيس البنية الأساسية ، كالطرق والفنادق والمنتجعات وإقامة المطارات الصغيرة وتنظيم الرحلات المباشرة دون التعرض لمشكلة الانتظار الذي تشهده مطاراتنا وقت الاحتياج الفعلي لقضاء الإجازات في ربوع البلاد. نتطلع إلى اليوم الذي تتقلص فيه نسبة المسافرين للخارج بإيجاد البديل الأنسب والأفضل. نتطلع إلى تحويل بوصلة اتجاه الطائرات إلى أبها والباحة والطائف وجيزان ونجران والعلا والأحساء وكل المدن السعودية. نتطلع إلى إعلام يقدم رسالة واعية عن السياحة ومفاهيمها من أجل تحسين وتعديل الفكرة التي التصقت بالسياحة وبقيت تكبل نموها ردحاً من الزمن. ولا يتأتى العمل الإعلامي إلا بإدراج السياحة ضمن المقررات الدراسية ، مع تنظيم الدورات والورش التدريبية عن كل ما يمت بالسياحة ؛ لنشر الثقافة وترسيخها كسلوك يقبله الجميع ، فضلاً عن العمل الإعلامي الاحترافي وهذا الذي نفتقده. شيء واحد يثير العجب وهي تلك المكاتب السياحية التي تروج للسياحة الخارجية بشكل لافت للنظر وكأنها خُصصت لاستلاب العقول قبل الأموال ، ليتها تكون مخلصة للسياحة الداخلية بالتعريف بمزاياها أو على الأقل تكون منصفة ، إلا أن الكفة كما نلحظ ومع الأسف الشديد للسياحة الخارجة وكأن ليس لدينا من المقومات الطبيعية التي تؤهل بلادنا لأن تكون مقصداً للسياح سواء من الداخل أو الخارج ، نحتاج إلى تضافر الجهود بين الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة من أجل الحفاظ على ثروتنا السياحية غير القابلة للنضوب.