كلما (جاء طاري) شغف الغرب بالقراءة وإدمانهم الشديد للكتب (نط) شخص ما ليقول باستهزاء : (بس تراهم يقرأون كتب تافهة) وكأنه يبرر لنا عزفنا عن القراءة! بينما هم في الواقع يقرأون مختلف أنواع الكتب باختلاف القارئ نفسه.. ليتَ صاحبنا (اللي نط) يخبرنا كم قرأ من كتب مفيدة وثرية على عكس ما يقرأ الغربيون على حد قوله. تتحدث عن قضية فسادٍ في جهة ما .. يسألك أحدهم من أين لك كل هذه التفاصيل؟ فتخبره بأنك شاهدتها في برنامج لداوود الشريان , يرد عليك : (يا رجال تراهم كلهم أخوياه .. شوف زواج ولده) عفوا .. أين هذا من قضيتها؟ وما شأني أنا بذلك؟ عندما يمتدح شخص ما دولة الإمارات في تنظيمها , وحضارتها , وتطورها , وجودة بنيتها التحتية يأتيه الرد كما هو معتاد : الإمارات (ماكلينها الأجانب). ومن قال إن تطوير البنى التحتية , وتهيئة البيئة الحضارية , تشترط استقطاب الأجانب , والطلب منهم بأن (يأكلوا البلد)؟ ثم أن الشخص الواصف للإمارات بأن الأجانب يسيطرون على سوق العمل بها هو نفسه يشتكي من عدم فعالية برامج السعودة لدينا!! أي منطق في هذا التناقض؟ يشاهد أحدنا حلقة لأحمد الشقيري ينتقد فيها سلوك سيئ شائع في مجتمعنا. فتراه فجأةً يسارع للبحث عن (الريموت) لتغيير القناة وهو (يتحلطم) قائلا : (هذا يبحث عن الشهرة .. لا وبعد برنامجه كله موسيقى)! وهل بحثه عن الشهرة -إن كان صحيحا- ينفي واقعية نقده للسلبيات أو يشكك في إيجابيته؟ لماذا أصبحت عادتنا البحث عن عيوب الآخرين -بدون موضوعية- حين نُقارن بهم أو حين ينتقدوننا أو حتى عندما يقدمون لنا النصيحة؟ هل هو بحث عن مبرراتٍ لحالة سيئة يمر بها الشخص أو المجتمع للتهرب من واقعٍ ما وتجنب مواجهته؟ أم أنها حالة مرضية تسمى الغيرة , لا يتحمل المصابون بها مدح غيرهم أو رؤية نجاحاتهم فتراهم يهاجمون الناجحين ويبحثون عن عيوبهم أكثر من بحثهم عن تحقيق نجاحات شخصية؟ نقول ان الغرب يقرأون الكتب التافهة لنتهرب من واقع عزفنا عن القراءة! ولذلك مازلنا عازفين عن قراءة المفيد والتافه أيضا.. نقول أن الإمارات (ماكلينها الأجانب) لكي نعيبها ونخلق لأنفسنا مبررات لعدم مقدرتنا على مجاراتها حضاريا , ولذلك مازلنا بعيدين عن المقارنة الحضارية بها نقول أن أحمد الشقيري يبحث عن الشهرة لنتهرب من انتقاده لعشوائيتنا وسلوكياتها الخاطئة ولذلك مازلنا نرمي المخلفات في الطرق العامة ونبذر الأموال ونتلف البيئة ...إلخ الأمثلة كثيرة , والملاحظُ أن بحثنا عن عيوب النماذج الجيدة يصاحبه للأسف عدم اعتراف بعيوبنا وأخطائنا ولذلك مازلنا في أماكننا لم نتحرك فبدلا من الاقتداء بالنماذج الناجحة والجيدة المحيطة بنا في تصحيح عيوبنا وأخطائنا على مستوى الفرد والمجتمع اتجهنا لانتقاص الآخرين , والبحث عن عيوبهم , دون أي موضوعية , وكأن في رصدها -وإن كانت شخصية- عذرا لنا للإبقاء على أخطاءنا دونما تصحيح.. لم هذا الدفاع والمحافظة على الأخطاء والعيوب؟ فالحلول لن تظهر من تلقاء نفسها .. أبدا فإيجاد الحل دائما ما كان خطوه تأتي بعد تحديد الخلل والمشكلة , والاعتراف بهما .. فهي الخطوة الأولى. أعي أننا جيدون في العديد من المحاور والمجالات , ولست سلبيا حين أقول إن لدينا عيوب وأخطاء وأن علينا أن نعترف بها ومن ثم نصححها .. فالأحمق وحده هو من يظن أننا مجتمع مثالي بلغ الكمال. ملاحظة.. جميع النماذج السابقة ذكرت على سبيل المثال ولا أزكي أحدا والله سبحانه أعلم بما في الصدور.