مرّت أيام العيد سراعًا كما هو حال هذه الأيام ، ومن المسلمين من باركَ العيد ، ومنهم من أَسْقط حِمم سخطه وضجره بسبب ودون سبب ؛ فحول فرحة العيد -وهي سنّة نبويّة- إلى مأْتمِ يعمّ أجواء البيت المسلم. إنّ بعض البشر يظنّ أنَّ كلّ ما يدعو إليه ويسعى لإسقاطه على عباد الله خاصّة على أهله هو الصّحيح الذي لا مراء فيه ولا جدال!!. وبعض البشر يضنّ على أهله بفرحة هنا، أو سرور هناك ، حتّى علَّق كلّ أفراحهم بفرحهِ وترحه ، فلا يحبّون إلاّ ما يحب ولا يسخطون إلّا ما يسخط..!!. إنَّ بيت النّبوة خير من يطلعنا على تبدّي فرحة العيد وجلالها داخله، فهذه عائشة -رضي الله عنها- تقول : (دخل عليَّ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- وعندي جاريتان تغنّيان بغناء بُعاث ، فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشّيطان عند النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-! فأقبل عليه رسول الله -عليه السّلام- فقال : (دعهما) ، فلمّا غفل غمزتهما فخرجتا..). وفي رواية : دخل أبو بكر ، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنّيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث ، قالت : وليستا بمغنّيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشّيطان في بيت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- : (يا أبا بكر ، إنّ لكلّ قوم عيدًا ؛ وهذا عيدنا) .. وزاد مسلم في إحدى الروايات : (جاريتان تلعبان بدف). ولنا أن نتأمل هذا الحديث : (وكان يوم عيد يلعب السودان بالدِّرَق والحِرَاب ، فإما سألتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وإما قال : (تشتهين تنظرين)؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خَدِّي على خدِّه ، وهو يقول : (دونكم يا بني أرفدة) حتى إذا مَلِلْتُ قال : (حسبك) ، قلت : نعم، قال : (فاذهبي) ؛ رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وتقول عائشة -رضي الله عنها- في حديث صححه الألباني : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا فسمعنا لغطًا وصوت صبيان، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا حبشية تزفن والصبيان حولها ، فقال : (يا عائشة تعالي فانظري) ، فجئت فوضعت لحيي على منكب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه ، فقال لي : (أما شبعت أما شبعت) ؛ قالت : فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده ؛ إذ طلع عمر قال : فارفض الناس عنها ، قالت : فقال -رسول الله صلى الله عليه وسلم- : (إني لأنظر إلى شياطين الإنس والجن قد فروا من عمر) قالت : فرجعت). إنّ العيد أيّها السّادة فرحة ، وغبطة ، وسرور إن لم تكن من منطلق دينيّ فلتكن من منطلق إنساني ، ومن ظنّ أنَّ العيد قصرٌ على وليمة عشاء تجتمع فيه الأجساد -كعادة متوارثة- في مقابل تلك القلوب المتنافرة التي يلعن بعضها بعض فقد خاب وخسر..!!.