الحوار وسيلة من أهم وسائل الإقناع والتعارف والتقارب وصولا للوحدة والاتفاق عند الاختلاف فهل نواجه الاختلاف بالتواصل والحوار والإقناع ، أم نواجهه بالتقاطع والتنابذ؟ قال ابن فارس في (معجم المقاييس في اللغة) (الحاء والواو والراء) ثلاثة أصول : أحدها لون ، والآخر الرجوع ، والثالث أن يدور الشيء دوراً. وما نريده هنا هو الأصل الثاني وهو الرجوع والمراجعة في الخطاب فهم يتحاورون أي : يتراجعون الكلام ، والمحاورة : مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة فالحوار لغة : المجاوبة والمجادلة والمراجعة فهو فعالية خطابية ، وهو الأصل في الكلام ، إذ الإنسان كائن يحيا بالحوار وداخل الحوار ، والحوار ضرورة تقتضيها التعددية والتنوع الثقافي والاختلاف في المصالح الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، حتى أضحى اللجوء إليه أساسيا لحل المشاكل والأزمات بأنواعها العديدة وإدارة الصراعات الحضارية القائمة وتدبير الاختلافات الداخلية والخارجية. فحيث يكون الاختلاف والصراع والصدام والنزاع ، يجب أن يكون الحوار والنقاش والتفاوض والإقناع. فالأصل في الكلام الحوار ، كما أن الأصل في الحوار الاختلاف فلولا الاختلاف ما كان الحوار ولولا الحوار ما كان الكلام. ومعنى هذا أن ثمة علاقة وثيقة بين الحوار والاختلاف ، ونحن نلجأ إلى الحوار لاستبانة الحق بدليله للإقناع ولرفع الخلاف وتدبير الاختلاف وتحقيق الاتفاق. فالاختلاف ظاهرة طبيعية وسنة كونية ، والناس مختلفون ولا يزالون كذلك لاختلاف أفهامهم ومصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. ولذلك فإن الاختلاف قد يفضي الى التفرق والحزازات للاعتداد بالرأي إلا أن الحقيقة ستتظاهر جلية حين تصادم الأفكار المختلفة ومناقشة الآراء وتخالف العقول. فالاختلاف له فائدة حين يكون سببا للوصول للصواب والحلول المثلى ، دون هدم أو طعن في المخالفين ، لأنه حينذاك يكون سعيا للبناء بإكمال النقص والإصلاح ما استطاع إليه سبيلا فحينها يكون أمرا محمودا. أما حين يكون سببا للهدم ، والحقد والضغينة والعداوة ، فهذا وجهه المذموم، لأن المتنازعين والمختلفين حينها يكونون عاجزين عن القيام بأي عمل إيجابي بناء. فكل خلاف اختلاف وليس كل اختلاف (خلاف) لأن الخلاف أقرب ما يكون إلى الصراع والنزاع. والمناقشة والمذاكرة وتصادم الآراء والأفكار حوار ، والحوار لا يكون إلا عند حصول الاختلاف. ويشهد لأهمية الحوار أن القرآن كله ذو طبيعة حوارية ، فالحوار هو الأسلوب الذي اتبعه الأنبياء في الدعوة والتبليغ والتعليم والإرشاد. وما ذلك إلا لأنه الأسلوب الأفضل للإقناع. وهناك نماذج عديدة من الحوار نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر : حوار الله عز وجل مع الملائكة ، حواره عز وجل مع إبراهيم الخليل ، وحوار نوح عليه السلام مع قومه ، حوار إبراهيم الخليل مع النمرود ، قصة صاحب الجنتين ، قصة المجادلة...الخ والسنة النبوية والسيرة زاخرتان بالنماذج الحوارية الرائعة التي حاور فيها الرسول صلى الله عليه وسلم قومه وحاجهم. ومن أهم شروط الحوار: 1- أن يكون الدافع الرئيسي لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقة وأن يكون الوصول إلى الصواب والحق. 2- البعد عن الغضب وأسبابه مع الحرص على الاعتدال حتى ينتهي الحوار. 3- يكون لدى الجميع قدرة على التعبير. 4- المرونة في الحوار وعدم التشنج. 5- الإصغاء للطرف الآخر والاستفادة من طرحه وكبت جماح النفس عند الرغبة في الجدال ، والعرب تقول : رأس الأدب كله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم ، ومن أهم الفوائد التي تستفيدها من هذه النقطة اكتساب صفة الحلم. ومن أهم فوائد الحوار: 1 - يتم من خلاله تبادل الأفكار بين الناس وتتفاعل فيه الخبرات. 2 - يساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد. 3 - يولد أفكارا جديدة. 4 - ينشط الذهن. 5 - يساعد على التخلص من الأفكار الخاطئة. 6 - يساعد على الوصول إلى الحقيقة. وللحديث بقية