الحوار ثقافة حديثة تحظى برعاية واهتمام المفكرين والعلماء المسلمين في كل مكان في العالم.. ولدينا محلياً توجهات قيادية مدروسة لتطبيق هذه الثقافة في شتى الميادين العلمية والاجتماعية والسياسية والدينية. الحوار لغة عصر حديث ولكن جذوره ممتدة في دستورنا الإسلامي منذ آلاف السنين.. أهملناها فهجرتنا.. حتى ظهرت معالم الجفوة عنها في أفق ليس ببعيد فأدركنا اسرارها وعدنا نبحث في اعماقنا عن حاجتنا الماسة لها. انها ثقافة سرعان ما ارتداها جيل اليوم ومارسها بفن ومهارة عاتباً بشدة على من يجهلها او يتجاهلها.. ولأن مجالات الحوار لا حصر لها دعونا نطرح هنا ما يخص اللبنة الأولى للمجتمع، والتي من بابها يخرج النشء لمواجهة الحياة الواسعة.. الأسرة اساس البناء والبذرة الأولى لأي مجتمع. "الرياض" استطلعت هذا الجانب في ثقافة ومفهوم الشباب فطرحت بعض الاسئلة على فئة كبيرة اخترنا منها مجموعة من الإجابات، ولابد من التنويه هنا الى ان الفتيات أبدين اهتماماً بالمشاركة والإجابة بينما قابل فئة كبيرة من الشباب الموضوع بعدم الاهتمام واللامبالاة. طرحت "الرياض" عدة استفسارات على المجموعة المشاركة والذين زاد عددهم عن ثمانين مشاركة كان اغلبها من الفتيات. تعريفات متشابهة تعرف أسماء صالح المعاري ( 17سنة) بالصف الثاني الثانوي الحوار على انه نقاشات بين مجموعة من الأفراد ليستفسروا عن امور معينة.. وتثني على اسلوب الحوار داخل أسرتها، حيث وصفته بالمحترم العقلاني لأنهم يقدمون لها مقترحاتهم وآراءهم ويناقشون الأمور بأصوات هادئة. اما سالم الغامدي ( 14سنة) بالمرحلة المتوسطة فيقول: الحوار هو عبارة عن نقاش يدور بين شخصين او اكثر حول موضوع معين، وهو الطريقة التي يمكنني من خلالها ان اعبر فيها عن رأيي وأن اتواصل مع الآخرين بالتفاهم. وحول ممارسته الحوار داخل أسرته يقول: ليس كثيراً ولكنه غالباً ما يكون ناجحاً لأنه يتم بهدوء ويتيح الفرصة للتحدث والاستماع للآخرين.. وهو مهم جداً خاصة مع الأسرة من اجل تقوية الروابط، ولكي أعبر عن رأيي الشخصي وما يدور في ذهني ومن اجل ان يفهم بعضنا البعض ونناقش أمورنا.. واعتقد انه يجب ان يمارس هذا الحوار مرة او مرتين في الأسبوع. سهى اسماعيل ( 17سنة) طالبة بالصف الثاني الثانوي تعتبر الحوار فرصة لتبادل الآراء بين الأسرة او مناقشة الأمور الغامضة..!. وتعتقد ان الحوار الذي تمارسه مع أسرتها ناجح لأن كل شخص يحترم الآخر ولا يقاطعه اثناء حديثه لوجود التفاهم بينهم وترى انها بحاجة لذلك لأن أي شخص يحتاج الى من يتحاور معه وخاصة والديه ولتقوية المحبة والألفة وتماسك الأسرة، وتقول "اذا لم يكن هناك بينهم لن تكون أسرة مترابطة بل ستكون متفككة وكل واحد سيتخذ قراره بنفسه ولن يكون هناك مجال للتقرب من والديه.." وتعتقد انه من المناسب جداً أن تجتمع الأسرة أسبوعياً. وتقول هديل عبدالرزاق بلال ( 16سنة) بالصف الاول الثانوي ان الحوار هو نقاش بين شخصين فأكثر وإما ان ينتهي بالنجاح او الفشل.. وأنها تستفيد كثيراً من الحوارات التي تدور في عائلتها وتؤكد انها في كل مرة تخرج بفائدة ومعلومة جديدة تفيدها في حياتها وآخرتها. اما تركي ناصر آل ساعد ( 21سنة) بالمستوى الثالث الجامعي فيقول: الحوار هو نقاش بين شخصين او مجموعة حول موضوع معين او قرار.. ونحن في الأسرة نمارسه تقريباً بشكل يومي، وأنا شخصياً أحب ان اتحاور مع والدي لأنهم الأكثر خوفاً ونصحاً لما فيه مصلحتي..". حوارات فاشلة ويرى الطالب الجامعي محمد بن خالد ( 19سنة) ان الحوار هو التفاهم بين عدة اطراف ويسمى حوار متى توافرت فيه الشروط التي تبنى عليه ليكون حواراً ناجحاً تقوم عليه الكلمة ويحدد المصير. ويضيف "بصراحة نحن كأسرة قلما نمارس الحوار وغالباً ما يكون فاشلاً بسبب عدم التزام اطراف الحوار بتلك الشروط التي يبنى عليها الحوار والتي يدخل في مقدمتها عدم رفع الصوت واحترام اختلافات وجهات النظر. ويؤكد انه بحاجة لممارسة الحوار داخل اسرته لفهم كل اطراف الأسرة لبعضهم وحتى تكون الحياة على حد تعبيره اكثر بساطة. ويرى محمد ان اجتماع الأسرة للحوار يجب ان لا يتقيد بوقت محدد وانما تكون حسب الحاجة لذلك. العنود عبدالله بالصف الثالث المتوسط تقول "الحوار هو الكلام اللي يدور بين اكثر من شخص عن كل شيء، وتعتبر حوارها مع اسرتها ناجحاً اذا حظيت بمؤيدين لرأيها مثل والديها وتعترف ان حوارها مع اخوانها عادة ما يكون فاشلاً بسبب عدم احترامهم لرأيها واستهزائهم بأسلوبها وترى ان ممارسة الحوار من اهم ما يدور داخل العائلة لمعرفة الأخبار على حد قولها. وتوضح حصة فهد ( 17سنة) ان المكان المناسب والوقت المناسب مهمان جداً لنجاح الحوار الذي يتم بين شخصين او أكثر لإيجاد حل لمشكلة معينة، وتعتبر الحوار الذي يتم داخل أسرتها فاشلاً لأسباب كثيرة ذكرت منها ان لديها اخوانا اكبر منها مما يمنع استماع والديها لرأيها وأنهم يعتبرونه دائماً غير صائب. وتستطرد قائلة "يسيطر رأي الذكر في مجتمعنا على كل الأمور وكثيراً ما يأخذ أخي الكبير بتنفيذ رأيي ناسباً الفكرة الى نفسه ويقول للجميع انها فكرته هو..! وكلما دخلت في الحوار معهم قالوا لي "اسكتي انني صغيرة لا تفهمين شيء"..!!. أما سلوى بنت عبدالله ( 18سنة) فترى أن الحوار لا يجب أن ينتهي بحلول معينة، وأنه يكفي أن يطرح كل شخص وجهة نظره وحول الحوار داخل اسرتها تقول إنها تراه فاشلا، لأنه يبدأ هادئاً وسرعان ما ينقلب إلى نزاع وخصام، هذا ما ذكرته معتقدة أن أهم ما في الحوار بالنسبة لها أنه يوضح المسموح والممنوع. وتقول حنين الغامدي طالبة الصف الثاني الثانوي أن من أهم شروط الحوار الناجح من وجهة نظرها أن لا يقاطع أي شخص الآخر وأن لا تفرض النتائج فرضا، مؤكدة على أن الحوار من الممكن أن يكون بين أي مجموعة غير الأسرة وأن من أهم مميزاته التقريب بين الناس وفهم بعضهم البعض، وتعتبر الحوار فاشلاً حين يحاول البعض التقليل من شخص الآخر وفرض وجهات نظر معينة. ويؤيدها في هذا الرأي كل من بشرى أحمد بالمرحلة الثانوية ومحمد السيف بالمرحلة المتوسطة ودنا عبدالله بالصف الأول الثانوي وريم عبدالرحمن (18سنة) ونوف خالد ( 20سنة) التي لا تؤيد الحوار مع الإخوان بسبب ما يعتريهم من مشكلة فرض الرأي وتقول أنها تمارس الحوار فقط مع والدها رغم أنه لا يكون ناجحاً أغلب الوقت بسبب صعوبة إقناعه وتمسكه بآرائه. وكذلك الطالب جلال خالد الذي أوضح أنه يجد صعوبة في الحوار مع والده مبرراً ذلك إلى الاختلاف في وجهات النظر والقناعات على عكس الحوار مع المقربين من مرحلته العمرية، معتبراً الحوار دليل حب الأسرة لبعضها وتماسكها مؤكداً أهمية أن تكون النتائج في صالح الجميع.. لا وقت للحوار بينما استاءت الطالبة نادية ع. بالمرحلة الثانوية من فقدها لغة الحوار داخل أسرتها الأمر الذي يجعلها تدخل دورشات الانترنت "الشات" لتتحدث مع الصديقات وتتحاور مع الجميع، حيث تتاح لها فرصة الكلام بحرية ويمكنها إنهاء الحديث متى شاءت. وأضافت "عدم وجود حوار داخل أسرتي ليس بسبب جهل الوالدين بل أمي أكاديمية ووالدي موظف مرموق ويقضي الكثير من وقته في القراءة ولكن المشكلة بعدم وجود وقت لممارسة الحوار لا يوجد وقت لدى أسرتي تجتمع فيه على مائدة الطعام فكيف بالحوار والنقاش. ومع وجود التلفزيون أعتقد انه جعلنا كالصم الذين لا يسمعون سوى صوته ولا يتحدثون إلا بما يعرض على شاشته.. كل واحد منا له عالمه الخاص، وحتى حين نجلس أوقات قليلة مع بعض فيكون أحدهم مشغول بجواله والآخر بكمبيوتره.. والوالد بكتابه.. ووالدتي بالهاتف أو البحوث العلمية.. لا وقت لأن نأخذ ونعطي أطراف الحديث..". وتتابع "أتمنى أن يعي الآباء والأمهات أهمية أن نتناقش عن مشاكلنا وهمومنا وأن يحترم كل واحد الآخر.. حتى لا ينتهي الحوار بالشتم أو الصمت الغاضب..". وتعتبر الطالبة هند رزق الله محمد بالمرحلة الثانوية أن الحوار هو تبادل الكلام والحوار بين الطرفين..! ولكنها تراه فاشلاً في أسرتها وخاصة بين أخوانها لأنه غالباً ما ينتهي برفع الأصوات والنزاع. الحوار في اللغة من جهة أخرى يقول الشيخ جبير بن محمد الجبير عضو مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني "الحوار في اللغة من الحور وهو الرجوع ويتحاورون أي يتراجعون الكلام، واصطلاحاً هو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين مختلفين.. وله أهمية كبيرة فهو من وسائل الاتصال الفعالة حيث يتعاون المتحاورون على معرفة الحقيقة والتوصل إليها ليكتشف كل طرف منهم ما خفي على صاحبه منها والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق.. الحوار مطلب إنساني تتمثل أهميته باستخدام أساليب الحوار البناء لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جامعة والتواصل مع الآخرين فالحوار يحقق التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين، كما يعكس الحوار الواقع الحضاري والثقافي للأمم والشعوب حيث تعلو مرتبته وقيمته وفقاً للقيمة الإنسانية لهذه الحضارة وتلك".. أهدافه وآدابه وأوضح الشيخ الجبير من أهم أهداف الحوار (إيجاد حل وسط يرضي الأطراف، التعرف على وجهات نظر الطرف أو الأطراف الأخرى، البحث والتنقيب من أجل الاستقصاء والاستقراء في تنويع الرؤى والتصورات المتاحة، للوصول إلى نتائج أفضل وأمكن ولو في حوارات تالية). أما آدابه فقال إخلاص النية.. لأن التجرد في طلب الحق بعين على الوصول إليه والعلم وحده لا يكفي في ساحة الحوار بل لابد معه من الإخلاص والتجرد لطلب الحق سواءِ ظهر على لسان محاوره.. والنية والمقصد هو الوصول إلى الحق والصواب في المسألة وتعتبر من أخطر آفات الحوار أن المتحاورين إذا اختلفا ولم يتفقا في مسألة من المائل سارع أحدهما إلى اتهام نية صاحبه وطعن في مقصده أو صنفه لفكر معين أو حزب أو طائفة، قال صلى الله عليه وسلم "إني أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم..". وأضاف آداب الحوار مراعاة مستوى المحاور فالناس ليسوا مستوى واحد فلابد من مراعاة مستوياتهم واختلاف عقولهم قال ابن مسعود رضي الله عنه "ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تلبغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة".. وكذلك العلم والتمكن والاستعداد والمعرفة حيث يجب على المتحاور العلم بموضوع الحوار وتفاصيله فالإتقان من صفات المؤمن وهو مظهر لاحترام الشخص لنفسه. كما أوصى على قواعد عملية في كيفية الحوار منها (الإصغاء وحسن الاستماع ومنها التركيز على ما يقوله المتحدث وعدم قطع حديثه وإعطاءه الفرصة الكافية ومحاولة فهم ما يقوله والبعد عن العصبية التي تساهم في تشتيت الانتباه والاهتمام وعدم إصدار الأحكام المبكرة، التواضع ومنها عدم احتقار الناس أو تهميش وإضعاف آرائهم، الابتعاد عن التعصب وهو الذي يغطي عقله بهواه ولا يتعرف بخطئه ويسعى لحماية نفسه وما يخصه دون تفكير، التزام القول الحسن وتجنب منهج التحدي والإفحام لأن حق العاقل اللبيب طالب الحق أن ينأي بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح، البدء بنقاط الاتفاق لأن هذا من شأنه أن يجعل الحوار يسير هادئاً ومنطقياً ويقلل من فجوة الخلاف".