بدأت أشكّ في نفسي وفي فهمي وفي مصطفى فهمي أيضاً , لمّا تابعت حلقات متتابعة من برنامج الثامنة الذي يقدمه داود الشريّان. بدأت أشكّ في فهمي , لأني وجدت نفسي أمام شخص مكوّن من شخصين , أو شخص مقسوم إلى شخصين. عرفت وأحببت داود الشريّان ، منذ أن قرأت له أول مرة في زاويته بجريدة الحياة من سنوات طوال ، وكان كاتباً عميقاً وممتعاً ومثقفاً ولافتاً ، ولمّا صار مذيعاً ، شككت في أن هذا المذيع هو ذاك الكاتب ، وشككت في أن الخلل فيّ وليس فيه ، لكنّي لمّا تأكدت أن المذيع هو نفسه الكاتب سابقاً ، ماتت ثورة الشكّ مثلما ماتت أم كلثوم. داود الشريان لا يصلح لتقديم برنامج تلفزيوني أو إذاعي ، لسبب بسيط وهو أنه يطرح قضايا عميقة ويتناولها بسطحيّة ، وتلك مأساة أيّ مذيع يقدّم قضيّة أعمق منه وأكبر منه. المتابع لأغلب حلقات برنامج الثامنة ، لا يرى أكثر من مذيع يُنكّت ثلث البرنامج ، ويحاول في الثلث الثاني تصغير القضايا الكبيرة بتحويل النقاش الجاد إلى هزلي واستخفافي ، وأما الثلث الثالث من البرنامج ، فهو الجزء الذي يقرأ ويعيد فيه داود الشريّان نتائج تصويت سؤال البرنامج. برنامج الثامنة لداود الشريان ، جعل شعر رأسي ورأس شعري يقف ، تعجُباً وحيرة ، لسبب واحد ووحيد وهو أنه لأول مرّة في حياتي أشاهد برنامجاً إعداده فوق الممتاز وتقديمه سيئ ، إذ اعتدنا في إعلامنا العربي ، على برامج ضعيفة وسيئة الإعداد والتقديم ، أو ضعيفة الإعداد ومقدّمها سيئ ، فجاء داود الشريان بخلطة جديدة ومعادلة لم نألفها من قبل. الذي أستغربه جداً ، هو هذا التهافت العجيب الغريب من قبل الناس ، على برنامج يصنع من القُبّة حبّة ، من خلال تمييع القضايا المهمة وتحويلها إلى نُكت وسوالف و (فلّة حجاج) ، والناس (مع الخيل يا شقرا). الثامنة ، ليست مع داود الشريّان بل عليه.