*حملت الصورة بيدي .. وبكل حزن وأسى .. فحصتها روحًا ورؤية .. قرأت مستقبلها .. غموض يكتنف واحة الاحساء .. حلمت .. تطلعت .. تخيّلت .. عشت الصراع ونقيضه .. قرّرت طبع الصورة على قميص ألبسه .. وفي أزقة الحلّ والترحال أطوف به .. أريده قميصًا محفزًا .. لا يُعطي دلالة قميص يوسف .. وقميص عثمان .. ثم إلى محل مختص .. لتنفيذ الحلم .. طلبت طبع الصورة على القميص .. مع كتابة العبارة التالية: (Save Alhassa Oasis) .. في نهاية المشهد .. قررت إرسال نسخة من القميص إلى معالي الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) .. سفير خادم الحرمين الشريفين في (لندن) .. تزوّدت بأكثر من قميص .. لتوسعة مجال التأثير. *كنت أحلم .. أردّد كلمات [مارتن لوثر كينج]: (I have a dreem).. لم أجد ما يقابلها بالعربي غير مقولة: (إننا عائدون) .. لمن لا يعرفه .. زعيم أمريكي .. جذوره إفريقية .. كان يطالب بإنهاء التمييز العنصري .. أصغر مَن حاز على جائزة نوبل للسلام .. اغتالوه عام (1964) .. كان يدعو إلى الحرية وحقوق الإنسان .. دعا إلى تحكيم أخلاق النفوس وليس ألوان الجلود .. ولمن لا يعرف (إننا عائدون) .. صوت اللاجئ الفلسطيني في خيام العار والذل العربية .. من خلال المذياع .. كانوا يبثون سلامهم وتحياتهم عبر الأثير .. وقد تناثر الشمل في كل اتجاه .. يختمون حديثهم موجّهين الحديث لأقاربهم في الأماكن البعيدة .. قائلين: [طمئنونا عنكم .. إننا عائدون] .. تحقق حلم (مارتن) .. ولم يتحقق حلم (اللاجئ) الفلسطيني .. تم اغتيال قضيته وحقوقه بمعاهدة السلام .. ليتحقق المزيد من القتل والتشرذم .. والظلم العالمي لأهل فلسطين. *نعود لقميص الغامدي .. قميص الواحة .. سهل الحمل .. سريع الغسل .. لمّاح .. يمكن تعليقه على الحائط كزينةٍ وتذكار .. يمكن حبسه في صندوق .. وتعليقه في مستودع الملابس البالية .. يمكن أن يكون دليلًا للإدانة .. المهم أن تدوم نعمة التواصل مع الواحة .. من خلال ما يحمل من رسالة .. المهم أن يستطيع الآخرون قراءة الرسالة .. بهدف فهمها والتفاعل معها .. وتبنّي قضيتها .. اقتناعًا بأهميتها في الحياة. *ذهبت لأستلم القميص .. فكانت أول الأفراح أخلاقًا تؤمن بأهمية الحفاظ على البيئة .. رفض المحل استلام أجرة العمل .. قال: مشاركة من المحل في انقاذ هذه الواحة .. كان متألمًا .. بشعور متعاطف .. شكرني على هذا العمل .. فرحت بهذا الشعور .. زادت مساحة فرحي توهجًا .. ليس لأنه وفّر على كاتبكم دفع التكلفة المالية .. فلي حق الفرح ك(غامدي) .. ولكن فرحت بموقف الرجل (الاسكتلندي) .. كان لتفاعله قوة تأثير زادت من إيماني بقضيتي حول واحة الاحساء .. تفاعله عزز قوة مشاعري نحو الواحة .. وأيضًا عزز في نفسي حمل قضية الواحة .. عزز استدامة التفاؤل .. شكرته ومضيت إلى مكتبي .. أيقنت بأن الحقيقة أمامي .. يجب قطفها .. يجب توزيعها على الجميع .. أولهم معالي السفير. *أرفقت بالقميص رسالة بخط يدي .. خط يمثل صاحبه .. تراني في كل حرف .. وتشعر بدمي في مداد كل كلمة .. أخبرت معاليه بقصة تواجدي في (اسكتلندا) .. رسمت له خارطة طريقي .. حدّدت له تاريخ عودتي للمملكة .. الأهم .. عتابي لمعاليه .. لعدم تناوله المياه في قصائده الشعرية .. طلبت منه المشاركة .. فالعرب يفهمون الشعر ورموزه أكثر من أي شيء آخر .. وقد تغنوا عبر التاريخ بهذه الواحة ومائها .. ما زالوا يتخيلونها كذلك .. ولكن الشعراء يقولون ما لا يفعلون .. وهكذا هم العرب جميعًا شعراء .. لدعوتي ما يبررها .. دعوته لقول ما تيسّر من أبيات الشعر .. لتحريك شعائر الحفاظ على الماء قبل النضوب. *ولكن ماذا تعني لكم كلمة (save)؟!.. هناك معانٍ كثيرة منها: [ينقذ .. يصون .. يدّخر .. يجنّب .. يوفر .. يحافظ .. يقتصد].. اختاروا ما تشتهون .. اختاروا ما يروق لكم من طابور المعاني أمامكم .. وبالنسبة لكاتبكم .. وضعت كل هذه الكلمات في خلاط عربي .. حشرت الكلمات بشكل عشوائي .. بدون تقطيع وتقشير .. حرّكت أنامل المشاعر والعواطف العربية .. وكان النتاج خلطة تعني (save) .. هل فهمتم شيئًا؟!. *شربت عصير الخلطة .. فأصبحت صاحب قضية .. كنتيجة أنهيت دراستي بنجاح .. حسدني عليه البعض .. وما زال حسدهم يسري .. حزمت نفسي في أكوام ذاكرتي وذكرياتي .. غادرت (اسكتلندا) متجهًا إلى (لندن) .. راجيًا إنهاء أوراق العودة .. دخلت الملحقية من بابها الرسمي .. فجأة هبّ الجميع يتساءلون: هل أنت (محمد الغامدي) .. كان الجميع في انتظاري يترقب الوصول .. لم يتركوا لي مجالًا للدهشة والتساؤل .. فجأة طلع امامي الاستاذ القدير (عبدالله الناصر) .. الملحق التعليمي في ذلك الوقت وعضو مجلس الشورى حاليًا .. قال هناك سيارة تنتظرك .. عليك الذهاب فورًا لمقابلة السفير قبل مغادرته .. ثم قال: أرجو ألا يكون قد غادر .. ويستمر الحديث عن القميص بعنوان آخر.