في العاشر من نيسان الحالي صادفت الذكرى التاسعة والثلاثون لاغتيال أبطال فلسطين الثلاثة , محمد يوسف النجار (أبو يوسف النجار) وكمال عدوان وكمال ناصر. (الفرسان الثلاثة) , عمل من الأعمال الروائية الخالدة التي كتبها الروائي الفرنسي الرائع ألكسندر دوماس في أربعينيات القرن التاسع عشر , وفيه يصور البطولة والفروسية في القرن السابع عشر، ويقدم صور صادقة لحياة البلاط الفرنسي في ذلك العهد والصراع العنيف بين السلطتين المدنية والروحية وذلك في قالب قصصي مشوق يستهوي القارىء ويأخذه في رحلة خيالية إلى العصور السابقة حيث المغامرات والتشويق والفروسية والقوة. في هذه الرواية يقدم الكاتب الى الوعي الجمعي الأوروبي ثلاث شخصيات متخيلة ، ذات سيرة مثيرة .. شخصيات ثلاث بقيت ماثلة في ذاكرة الأمم الى يومنا هذا .. (الفرسان الثلاثة) ، تحولت الى أعمال فنية رائعة ومن بينها بعض الأعمال العربية. نتيجة لعملية ميونخ التي نفذها الفدائيون الفلسطينيون من منظمة أيلول الأسود في دورة الأولمبياد الصيفية التي أقيمت في مدينة ميونخ في ألمانيا من الخامس إلى السادس من أيلول سنة 1972 وقد انتهت هذه العملية بمقتل أحد عشر رياضيا صهيونيا وخمسة من منفذى العملية الفلسطينيين وشرطي وطيار مروحية ألمانيين. وبعد هذه العملية قررت الحكومة الصهيونية برئاسة غولدا مئير بأن تقوم بتصفية القيادات الفلسطينية في خارج الوطن المحتل , ومن أبرز هذه العمليات , عملية شارع فردان في العاصمة اللبنانية بيروت أو كما يسميها الصهاينة عملية (ربيع الشباب) , ففي العاشر من نيسان قبل تسعة وثلاثين عاما , قامت وحدة كوماندوز صهيونية قادها رئيس حزب العمل ووزير الحرب الصهيوني في الحكومة الصهيونية الحالية ايهود باراك والذي كان برتبة عقيد انذاك باغتيال فرسان فلسطين الثلاثة المذكورين في بداية المقال , ولست الان بصدد الحديث عن هؤلاء الأبطال فهم أشهر من نار على علم. إذا كان الهدف من تصفية كمال عدوان وأبو يوسف النجّار وكمال ناصر هو القضاء على العمل الفدائي داخل فلسطينالمحتلة ، فلم تمر سنين قليلة حتى تسلّلت مجموعة مقاومين فلسطينيين من لبنان بقيادة دلال المغربي ويحيى سكاف الى عمق فلسطينالمحتلة ، حيث نفذت عملية الشهيد كمال عدوان الفدائية وذلك خمسة أعوام بعد استشهاد الفرسان الثلاثة .. هذه العملية التي خطط لها الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) والذي كان الرجل الثاني في حركة فتح والمسئول عن الجناح العسكري فيها , ومن هنا نقول بأن هذه العملية قد أفشلت هدف إيهود باراك في تحقيق اماله من جريمة فردان. وفي هذه العملية الفدائية , قال فارس الشعراء العرب الراحل نزار قباني (جمهورية دلال المغربي) .. اثني عشر رجلا بقيادة امرأة اسمها دلال المغربي تمكنوا من تأسيس فلسطين ، بعدما رفض العالم أن يعترف لهم بحق تأسيسها. ركبوا باص متجها من حيفا إلى تل أبيب وحولوه إلى عاصمة مؤقتة لدولة فلسطين رفعوا العلم الأبيض والأخضر والأحمر والأسود على مقدمة الباص وهزجوا وهتفوا ورقصوا كما يفعل طلاب المدارس في الرحلات المدرسية. وحين طوقتهم القوات الصهيونية ولاحقتهم طائرات الهيلوكبتر وأرادت أن تستولي بقوة السلاح على الباص فجروه وانفجروا معه ولأول مره في تاريخ الثورات يصبح باص النقل المشترك جمهورية مستقلة كاملة السيادة لمدة أربع ساعات انه أبدا ليس مهما كم دامت هذه الجمهورية الفلسطينية , المهم أنها تأسست وكانت أول رئيسة جمهورية لها أسمها دلال المغربي. البطولة لا جنس لها فليفهم الرجال العرب أنهم لا يحتكرون مجد الحياة ولا مجد الموت وأن المرأة يمكن أن تعشق أنبل بكثير مما يعشقون وتموت أروع بكثير مما يموتون وحين قررت دلال المغربي أن تمارس أمومتها الحقيقية ذهبت إلى فلسطين مثلما فعلت مريم بنت عمران وهناك على الأرض الطيبة التي ابتت القمح والزيتون والأنبياء أسندت ظهرها إلى جذع نخلة فتساقطت عليها رطبا فأكلت وشربت وقرت عينا وحلمت بان عصافير الجليل الأعلى تحط عليها وهي في لحظة المخاض. ولو بعد خمسمائة عام سيزور الفلسطينيون قبر أمهم الذي تناثر عليه أزهار البرتقال. وبعد ألف سنة سيقرأ الأطفال العرب الحكاية التالية : (انه في اليوم الحادي عشر من شهر آذار 1978 تمكن اثني عشر رجلا وامرأة من تأسيس جمهورية لفلسطين في داخل باص ودامت جمهوريتهم أربع ساعات ، لا يهم أبدا كم دامت هذه الجمهورية المهم أنها تأسست). كثيرون هم فرسان فلسطين , ومنهم فارس يعد بألف , ولكن يتوجب علينا ألا ننسى الفرسان الثلاثة الذين أعدمهم البريطانيون تلبية لطلب الصهاينة في يوم الثلاثاء الحمراء 17 حزيران عام 1930 وهم عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي , وقد تسابقوا على الموت , وقد كتبوا وصيتهم قبل اعدامهم في سجن عكا وأهم ما جاء فيها : (الآن ونحن على ابواب الأبدية ، مقدمين ارواحنا فداء للوطن المقدس ، لفلسطين العزيزة ، فاننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الارجوحة مرجوحة الأبطال باعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين ، وختاما نرجو ان تكتبوا على قبورنا : (الى الامة العربية الاستقلال التام او الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت) .. قصة هؤلاء الأبطال بدأت بثورة ولم تنته حتى يوما هذا. وفيهم كتب شاعرنا الفلسطيني الراحل ابراهيم طوقان قصيدته المشهورة (الثلاثاء الحمراء) , وجاء في مطلعها : لما تعرَّض نجمك المنحوسُ=وترَّنحت بعرى الحبال كؤوس ناح الاذان واعول الناقوس=فالليل أكدر والنهار عبوس فرسان ألكسندر دوماس الثلاثة كانوا وهميين , وأما فرسان فلسطين فهم حقيقيين , ولقد ذكرت سابقا بأن رواية دوماس ترجمت على أرض الواقع الى أفلام ومسرحيات في مختلف دول العالم ومنها بعض دولنا العربية .. فمن سيقوم يا ترى بمثل هذا العمل لفرساننا الحقيقيين .. فرسان شهد ولا يزال يشهد لهم التاريخ بأنهم ضحوا بأغلى ما ملكوا من أجل وطنهم وشعبهم .. شعب كل ما يريده هو الحرية والاستقلال وكل ما حصل عليه هو التهجير والقتل والعذاب والتشريد .. سؤال أطرحه , فهل من مجيب؟.