ما تزال المشكلة قائمةً عند كثير من الموظَّفين في المجال الحكومي ، أقصد مشكلة الشعور بامتلاك المكان ، والتعالي على المراجعين ، وعدم تقديرهم ، في نوع الكلام الذي يُقال لهم ، وطريقة الحديث معهم ، وأسلوب التعامل في إنجاز معاملاتهم ، وهي مشكلة متأصِّلة - كما يبدو - نشأتْ من عدم استشعار حقيقة الوظيفة التي تُسند إلى الموظف ، وهي: أنَّها خدمةٌ للمراجع ، يأخذ الموظف مقابلها راتباً لولا هذه الخدمة لما تقاضاه ولا استحقَّه، فالموظف - غالباً - يعدُّ التوظيف تشريفاً ، ووجاهة ، ولا ينظر إليها بمنظار التكليف والمسؤولية والأمانة ، وهذا الشعور الخاطئ هو الذي أحدث هذه المشكلة التي يعاني منها الناس في طريقة تعامل الموظفين معهم ، وطريقة إنجاز معاملاتهم ، وزاد المشكلة رسوخاً ، عدم وجود توعية وظيفيّة جادَّة لدى الجهات الحكومية إلاَّ ما نَدَر ، وعدم إتاحة فرص التدريب العملي في فنِّ التعامل مع الآخرين ، لتكون صورة الوظيفة وواجباتها ومتطلَّباتها واضحة في ذهن الموظف ، يؤكد هذا أنَّ مجال التدريب ما زال مجالاً ضيِّقاً جدَّاً في الجهات الحكومية ، وإذا حصل خضع لعلاقة الموظف بمسؤوليه ، فلا يتمكّن معظم الموظفين من الحصول على فرصة التدريب ، وحتى أولئك الموظفين الذين يحصلون على فرصة التدريب لا يستفيدون منها كثيراً ، لأنها - في الغالب - تكون شكلية روتينية ، ولا سيما إذا كانت من الدورات التي تقام في الخارج ، فتصبح - عادة - فرصة لنزهة الموظَّف الذي يستغل أيام الدورة في النُّزهة والتسوُّق وغير ذلك ... فتصبح هذه الدورات ترسيخاً لسلبيَّة الموظف ، وتعميقاً لعدم شعوره بالمسؤولية والأمانة. هنالك شكوى عامة من الناس امتلأت بها صناديق المقترحات والشكاوى المعلَّقة على جدران الدوائر المختلفة ، وهي صناديق قليلة الفائدة ، بل هي - في رأي الناس - عديمة الجدوى ، فهي كما صوَّرها بعضهم - مقبرة الشكاوى - ، وما تزال شكوى الناس مستمرَّة ، لأنّ مشكلة تعامل الموظفين السَّلبي ما تزال مستمرَّة ، بل متنامية متصاعدة. لماذا نظل - نحن المسلمين - أنموذج السَّأم والضَّجر ، وسوء التعامل ، في المجال الوظيفي ، مع أننا نحمل مقوِّمات التعامل الإسلامي الأرقى ، الذي يمكن أنْ يجعلنا قُدواتٍ للعالم كلِّه في هذا المجال؟؟ إنَّ شعور الموظف بامتلاك مكانه ومكتبه الوظيفي وعدم حصوله على التوجيه الجاد والتدريب وعدم معاقبته ، هي سِرُّ المشكلة التي جعلت من مراجعة صاحب المعاملة لأيِّ دائرة حكومية عبئاً ثقيلاً جداً ، يظلُّ يحمل همَّهُ ، ومعاناته حتى ينتهي من معاملته تلك ، انتهاءً يأتي بعد مماطلات وتسويفات ، والإهمال المصحوب بوجهٍ متجَهِّم وحاجبيْن منقبضيْن.