قبل ما يزيد على عام ونصف العام أعلن خادم الحرمين تخصيص سبعة بلايين ريال لتطوير مرفق القضاء، وهو بذلك أعطى الاعتماد المعنوي والمادي للمسؤولين للبدء الفعلي في هذه الخطوة المهمة، إلا أنه ومنذ ذلك الحين والمُشاهد اليومي لا يلمس أي تغير في مرفق القضاء، إذ مازالت الحال كما هي، على رغم اعتماد موازنتين سنويتين لوزارة العدل. ومن أبرز هذه الأشياء التي تحتاج لحل حاسم وسريع زيادة عدد موظفي المحاكم وتدريب معاوني القضاة على حسن التعامل مع الجمهور وسرعة إنجاز معاملاتهم، وتدريبهم على تحمل ضغط العمل وإكسابهم المهارات اللازمة لمساندة زملائهم في المهام الموكلة إليهم، لأن قلة عدد الموظفين أو تغيبهم يسبّب تعطيلاً للقضايا بشكل واضح، وعلى رغم كثرة المطالب بتعيين القضاة إلا أني لم أر من يطالب بتعيين معاوني القضاة وتدريبهم وإسناد بعض المهام الروتينية لهم، كما أن استحداث مسمى مستشار قانوني أو شرعي كموظفين يساندون القضاة قد يخفف كثيراً من الأعباء على القضاة الذين أُشغلوا عن وظيفتهم الأساسية بمهام إدارية وتنظيمية وثبوتية لا عدّ لها ولا حصر. وبحكم تنوع القضايا لدى المحكمة فإنها تخاطب الكثير من الجهات الحكومية، واللافت للنظر أن هذه المخاطبات مازالت بالطرق التقليدية، الأمر الذي يجعلها تستغرق الكثير من الوقت، لدرجة أن الاستعلام عن أي معاملة يتراوح بين الشهرين والثلاثة أشهر في الوضع العادي، ولا بد من استخدام آليات التقنية الحديثة لاختصار الجهد والوقت... وفي المجال الإنشائي نجد أن مبنى المحكمة العامة بجدة بدأ إنشاؤه منذ ما يزيد على سبع سنوات وكلّف ما يزيد على 45 مليوناً ومع هذا لم يتم الانتهاء منه حتى الآن على رغم التصريحات بأنه سيتم الانتقال للمبنى الجديد منتصف محرم الماضي!! وعلى رغم أن نظام المنافسات والمشتريات الحكومية يعطي الحق للجهة الحكومية بسحب المشروع من المقاول المتعثر وإسناده للمقاول الذي يليه وذلك لضمان أداء هذا المرفق الحيوي بسرعة وإتقان... وفي مجال التنفيذ فإن ديوان المظالم لم يحظ بوجود قضاة تنفيذ كما هي الحال في المحاكم العامة، وتظل تلك الأحكام من دون تنفيذ حال إصرار المحكوم عليه على التنفيذ، خصوصاً لو كان هذا الخصم إحدى الجهات الحكومية التي ازدادت حصانةً بعد صدور تعميم يقضي بعدم التنفيذ على أموال الجهة الحكومية، وذلك لأنه يعتبر مالاً عاماً! وفي مجال تفعيل نظام التفتيش نجد أن الجولات التفتيشية غير مفاجئة، كما أنها تكون في أوقات منتصف الدوام، ولو قُدّر للمفتشين زيارة المحكمة الجزئية مثلاً بعد صلاة الظهر لتبين لهم الفارق في الانضباط بين الفترة الصباحية وما بعد الظهر، إما التعامل مع المراجعين فهناك عدد من الموظفين لا يحسنون التعامل مع المراجع، بل ويرفضون أداء أعمالهم أحياناً من دون أن يكون للمراجع من يلجأ له لشكوى إهمال هذا الموظف، فحاجب القاضي لا يسمح بالدخول إلا لأصحاب الجلسات، وحتى لو استطاع المراجع إيصال شكواه للقاضي فإن هذا الأخير ليس له سلطة على الموظف! كما أن هناك من لا يعترف بحضور المرأة للجلسة إلا بمعية محرم، وهناك من يشترط لمراجعة المرأة لمعاملتها أن تكون عن طريق محرم، وعلى رغم أن هذا التصرف بحسن نية إلا أنه لا مبرر له، فالمحكمة تكتظ بالمراجعين ولا مجال للخلوة أو الريبة في هذا الشأن، وكثير من النساء تجد صعوبة في إحضار زوجها أو محرمها معها في كل مرة، فكيف لو كان هو خصمها؟ روي عن المأمون، الذي عرف عنه أنه كان يتولى بنفسه الحكم والفصل بين الناس، فقد جاءته امرأة يوماً تتظلم من ابنه العباس وهو قائم على رأسه، فأمر الحاجب فأخذه بيده فأجلسه معها بين يديه، فادَّعت عليه بأنه أخذ ضيعة لها واستحوذ عليها، فتناظرا ساعة فجعل صوتها يعلو على صوته، فزجرها بعض الحاضرين، فقال المأمون للمتكلم: «اسكت فإن الحق أنطقها والباطل أسكته»، ثم حكم لها بحقها وأغرم ابنه لها عشرة آلاف درهم. وهكذا فهناك الكثير من المناحي التي تتطلب التطوير وبعضها لا تكلف الكثير من المال، ولكنها تتطلب حزماً وسرعة في اتخاذ القرار وتنفيذه من دون الإغراق في الإجراءات البيروقراطية التي تزيد من معاناة الناس وانتظارهم، وأجدها فرصة سانحة لمناشدة وزير العدل الطموح بوضع صناديق للاقتراحات والشكاوى يشرف عليها شخصياً فهي أصدق وأنفع من كثير من الملتقيات والمؤتمرات. مستشار قانوني [email protected]