إلى زمنٍ قريب ، كان الاعتراف أو الإقرار بالفعل المخالف ، هو الإثبات الأقوى لإدانة المتهم ، لكن التقنيات الحديثة التي ظهرت وتحولت مع الوقت من كماليات إلى ضرورات قصوى تتطلبها الحياة اليومية ، عززت كثيراً من حظوظ المحقق لدى الجهة المختصة للوصول إلى خيط عريض جداً يقوده لكشف الحقيقة الغائبة المتعلقة بالقضية التي ينظرها وما عليه سوى تفحص (جوال) المتهم ، ليجد الدليل القاطع على إدانته بالصوت والصورة والرسائل المتبادلة بينه وبين بقية المتهمين في القضية نفسها ، في ذلك الحين لا يجد المتهم من سبيل سوى التصديق على اعترافاته وطلب المساعدة في الخروج من القضية بأقل الأحكام ضرراً وهو يقول في نفسه (بيدي لا بيد عمر!!). هناك قضايا عديدة تنشرها وسائل الإعلام المختلفة ، القاسم المشترك فيها جميعاً ، هو ضبط المتهم وبتفتيش جواله وجدت فيه مجموعة من الصور والرسائل غير الأخلاقية ، والغريب في الأمر أن التفتيش في بعض الأحيان يتم من خلال رجال آخرين خلافاً لرجل الضبط المختص نظاماً بالقيام بهذه المهمة متى دعت الحاجة إلى ذلك ؛ لأن الجوال يعتبر من الأمور الخاصة بالشخص المتهم ، ويفترض أن لا يتم الاعتداء على هذه الخصوصية هكذا في أي وقت وتحت أي ظرف ومن أي شخص كان!! من القصص الغريبة التي تعكس مدى القهر الذي قد يحدثه مثل هذا الأمر ، أن أحد الشباب ضبط بجوار إحدى الأسواق وهو ينتظر في سيارته أمام البوابة ، وقد كان الشاب (في أجمل حلته) وبعد استجوابه في الموقع (وش عندك .. وليش واقف هنا .. وش ذا الزين كله ؟!) ولأن أجاباته لم تقنع أخذوا يفتشونه فوجدوا بجواله عدداً من الصور، ومع أن الشاب أوضح بأنها صور تعود لثماني سنوات وأنه نسي أن يحذفها ، ومع أنه أبرز كرت العائلة الذي يثبت أنه تزوج ولديه أولاد ومع أنه حاول استعطافهم ، لكنه لم يجد منهم سوى الإصرار على اقتياده والمطالبة بمحاكمته! الحقيقة أن هذه الظاهرة تكررت كثيراً ، وأصبح (الجوال) هو مصدر أكثر الأدلة التي تدين المتهمين خاصة في القضايا الأخلاقية ، وكم من شاب أدين بسبب ما حملته ذاكرة هاتفه (المومري) من صور أو رسائل غرامية ، كان يحتفظ بها للتسلية وقت الحاجة أو لإعادة الذكريات التي يرى بأنها جميلة وقد لا تتكرر ، والمحصلة النهائية ضبطه في إحدى المقاهي وهو بصحبة فتاة ، أو ضبطه في قضية ابتزاز أو خلافه ، وكلما كان هناك حرز (يتمثل في صور ورسائل الجوال) كانت نسبة الإدانة وتعقيد القضية أكثر بكثير ، وربما كان بالإمكان حفظ القضية من باب الستر بعد إسداء النصح للشاب وأخذ التعهد عليه ولكن مع وجود الحرز يصبح الأمر غاية في التعقيد والصعوبة!