خلال الثلاثة أشهر الماضية توقفت عن الكتابة الأسبوعية لأسباب خارجة عن الإرادة ، وقد غمرني عدد كبير من القراء والقارئات باتصالاتهم ورسائلهم التي يستفسرون من خلالها عن سبب توقفي المفاجئ وما إذا كان هناك مكروه (لا قدر الله) قد أصابني ، أم أنها استراحة محارب أو بسبب شح الأفكار وندرة المواضيع الحيوية والمهمة ، أم أن السبب الحقيقي وراء توقفي هو ملل ويأس الكاتب الصحفي بشكل عام لانعدام الصدى والتأثير الذي يفترض أن تحدثه كتاباته لدى الشخصية أو الجهة المعنية بها! أم أنه الخوف الشديد من شبح الغرامات المالية التي تضاعفت في الفترة الأخيرة على الكتاب بعد التعديل الذي طرأ على نظام المطبوعات والنشر والتي أصبحت تحد بشكل كبير من إبداعاتهم ومن نقدهم الموضوعي لأوجه القصور ومكامن الخلل لدى الجهات والشخصيات المعنية والمسؤولة! من أكثر الأشياء التي يمكن أن تؤلم الإنسان وتقلب كيانه رأساً على عقب ، هي أن يفاجأ مع الأيام بنقيض ما كان يتوقعه ويؤمن به وعلى سبيل المثال كأن يتضح لأي شخص بعد سنين عديدة من وفاة والده بأن أخاه الكبير الذي كان يرى فيه الأبوة الحانية هو الإنسان نفسه الذي استولى على التركة كاملة وجحد حقوق إخوته وأخواته ، أو أن يكتشف الواحد منا كغيره من الناس بأن ذلك الرجل العابد الزاهد ذا المظهر المتدين والوجه السمح تتوسط صورته تلك الصحيفة اليومية وقد كتب على متنها (إعلان تحذيري) لتجنب التعامل معه بعد إدانته في أعمال نصب واحتيال كبيرة ، وليس هناك أصعب من هذا وذاك أن يصدم الإنسان وهو بين مكذب ومصدق بحقيقة ذلك الشخص المحسوب على الإعلام والذي تتلخص مهامه ومسؤولياته في خدمة المجتمع بنشر الثقافة والمعرفة إلى جانب نقد وتعرية سلبيات الجهات والشخصيات المعنية بما يحقق الصالح العام بينما يظهر في تعاملاته الإدارية والخاصة أنه أول من يرفض النقد وأكثر من يقصي الرأي الآخر عندما يتعارض ذلك مع مصالحه ومكتسباته ومطامعه! لكل أولئك الذين سألوا عني في فترة غيابي ، أقول لهم: شكراً لكم من الأعماق ، ومع تقديري البالغ لما أبديتموه من أسباب وتأويلات بريئة ، إلا أن أيا منها لم يكن السبب الحقيقي وراء توقفي عن الكتابة فثمة سبب قاهر جداً لا أملك أن أقول عنه سوى أنه (من أكثر الأشياء التي يمكن أن تؤلم الإنسان وتقلب كيانه رأساً على عقب) ، ولهذا سأطوي هذه الصفحة إلى غير رجعة وأنا ضميري مرتاح وراض كل الرضا عن مواقفي الإيجابية التي اتخذتها بقناعة تامة ، وسأحاول جاهداً في الأيام القادمة أن أعود كما عرفتموني ناثراً على هذه المساحة الحرة وبكل تجرد وحياد ومع كل حدث من الأحداث المختلفة أكاليل الورود والأزهار أحياناً وأغصان الشوك أحياناً أخرى ، متمنياً أن لا يكون العنوان العريض لعودتي للكتابة لدى البعض هو (عودة الابن الضال)!؟