يشكو مجتمعنا من تفاقم قضايا اجتماعية ودينية واقتصادية وإدارية ومالية حيث نراها جميعًا تتنامى بصورة لافتة ، بل إن الكثير منها أصبح يمثل خطرًا على الإنسان والمكان، فمثلا في قيمه ومبادئه ومدخلاته ومخرجاته الفكرية والمادية وبالتأكيد ان هذا الأمر لا يمكن تجاهله بأي حال من الأحوال بل يستوجب الاستنفار الشامل لكبح جماحه مما يتطلب تكاتف الجهود بين كل الأطراف المكونة لهذا المجتمع، لكن المسؤولية الكبرى بالتأكيد تقع على عاتق نظام التعليم بمختلف مستوياته وتفريعاته المعرفية والمهارية والوجدانية حيث يتطلب ذلك الإسراع بالنظر في هذا الأمر وإجراء عملية إصلاح شاملة لأنظمة التعليم لدينا ، العام منها والعالي والفني والبدء بعملية الإصلاح بإشراف مباشر من جهات من خارج دائرة النظام نفسه وبالتعاون المباشر والمساند من عناصر النظام نفسه. ولعل مشروع تطوير نظام التعليم لخادم الحرمين الشريفين يعدّ النواة الأولى التي يمكن أن تكون منطلقاً لذلك بعد إعادة تكليف الجهة القائمة بذلك حيث أن هذا المشروع الرائد لم ير النور بصورته الجليّة بعد أن تسربت إليه عمليات التحوير والتدوير والتغيير التي أفقدته رونقه ومساره الحقيقي المعدّ له من قبل قيادتنا الرشيدة. ولعلّ القيادة الحالية لنظام التعليم الممثلة في سمو الأمير الوزير و معالي نوابه الكرام تعدّ الأكثر قدرة على تفعيل ذلك الدور لما لمسناه خلال العامين السابقين من عمليات التطوير التي تحتاج الكثير من جرأة القرارات وفعالياتها وخاصة فيما يتعلق بالقيادات القائمة في مختلف المناطق والمحافظات وفقًا لمعايير علمية دقيقة تحتاجها هذه المرحلة تحديداً ، وهذا أيضا ينسحب على التعليم العالي والفني بمختلف مستوياته حيث يحتاج إلى الكثير من عمليات التغيير في الأنظمة والقيادات فنظام التعليم بمختلف مستوياته واتجاهاته يعدّ الركن الأهمّ في حلّ قضايانا المختلفة ويعدّ المنطلق الحقيقي لعملية الإصلاح الشامل دون جدال كما هو الحال في مختلف بلدان العالم المتقدم وخاصة الدول التي استطاعت القفز بسرعة هائلة إلى مصاف دول العالم الأول حيث كانت انطلاقتها من نظام التعليم ، فهو النظام الذي يستطيع ان يقوم بهذا الدور إذا أُحسن استثماره وتفعيله لأنه القادر على تعديل السلوك المجتمعي الأخلاقي والإداري والاجتماعي والمالي إذا وضع ذلك في اعتبار مناهجه وهو القادر على إبراز المواهب والقدرات البشرية المبدعة واستثمارها خير استثمار وهو القادر على تنمية القيم الفاضلة والمبادئ الشرعية السمحة وهو القادر على تفعيل قيم الانتاج وترسيخها في أذهان أبناء المجتمع وهو القادر على تفعيل دور المواطنة الحقة وتعزيز اركانها وهو القادر على دفع الحركة التنموية وفق الأساليب العلمية من خلال رفع كفاءة المخرجات علميًا ومهاريًا وهو القادر على تنمية سلوك الثقافة المجتمعية بصورها المختلفة وهو القادر على محاربة الفساد المالي والإداري من خلال تنمية وتعزيز قيم الانتماء والعدل والمساواة وهو القادر على إيجاد الحلول العلمية المتأنّية لكافة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والشرعية بدلا من الاعتماد على القرارات الانفعالية أو المصلحية او التقاريرية المنطلقة من مبدأ أبْشِر أو كل شيء تمام أو حسب المتبع. فالتعليم بكل تأكيد يعدّ الركن الأهمّ في تلك العملية الإصلاحية بالتعاون مع مختلف المؤسسات الحكومية والأهلية الأخرى وبالمشاركة الفاعلة من أفراد المجتمع حيث أن التعليم هو المكوّن الحقيقي لتلك المؤسسات وأولئك الأفراد وهم الإفراز الحقيقي لما يختلج داخله إبّان مرحلة الإعداد وهم المخرج الحقيقي لواقعه الحقيقي الذي نلمسه كل يوم، لذا لابدّ من ذلك الإصلاح والله تعالى من وراء القصد.