في أسبوعنا المنصرم ، رحل القذافي غير مأسوف عليه ، تاركًا وراءه جبالاً من الآثار السلبية المفزعة ، في حين رحل الأمير سلطان ، والقلوب عليه باكية ، لما ترك من آثار حسنة في حياته ، ستظل -إن شاء الله- باقية. الأول زرع بذرة الشر منذ اللحظات الأولى لتوليه الحكم ، فأبعد الأخيار ، وغيّر الديار ، وأفتى بغير علم ، بل وشرّد وقتّل ، وأفسد ونكّل ، وطغى وتجبّر. إنه كان للشر عنوانًا ، وعلى الخير عدوانًا. وأمّا الثاني -رحمه الله- فترك من خلفه ذكرى عطرة ، وآثارًا رائعة .. أفئدة له تدعو ، ونفوس بذكراه تشدو ، ومآثر ستبقى في لحن الخلود تعلو. إنه صراع الخير والشر الذي يبدو أنه في عصرنا هذا غير متكافئ ، لأن الشر في الظاهر منتصر ظافر ، والخير متراجع ساكن. لكنها صورة ناقصة حتمًا ، فالعين البشرية مهما أوتيت من السعة والحدة لا تحيط بالصورة الكبيرة المترامية الأطراف ، المتباعدة الأركان ، الممتدة في الزمان. ومع أن قصص القرآن ، ومتون الأحاديث ، وعِبر التاريخ تؤكد أن العاقبة في النهاية للمصلحين ، والصابرين ، والمتقين ، إلاّ أن النفس البشرية بطبيعتها العجولة ، وجبلتها الملولة ، قد تمل سريعًا وتكل ، وتستعجل الغلبة والنصر. وذلك مخالف للسنن الإلهية ، والنواميس الكونية ، لكن قليلا أولئك الذين يستوعبون الدرس عن بصيرة ، ويستيقنونه عن عقيدة ، ويحملون همّ مشوارهم الإصلاحي بصبر وروية. كتب سيد قطب ، في رسالته القصيرة (أفراح الروح) ، إلى أخته الشقيقة : (بذرة الشر تهيج ، ولكن بذرة الخير تثمر. إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعًا ، ولكن جذورها في التربة قريبة ، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ، ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ، لأن عمق جذورها في التربة يعوّضها عن الدفء والهواء. مع أننا حين نتجاوز المظهر المزوّر البرّاق لشجرة الشر ، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها ، تبدو لنا واهنة هشّة نافشة في غير صلابة حقيقية! على حين تصبر شجرة الخير على البلاء ، وتتماسك للعاصفة ، وتظل في نموها الهادئ البطيء ، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشر من أقذاء وأشواك!).