ما من علاقة زوجية إلا ويقع فيها فتور ونفور ، وجفاء وخلاف ، وأزمات وتأزمات ؛ لا منجى من مرور هذا ، ولا مناص من حدوث ذلك ؛ لكنها تتفاوت حسب العمر والوعي ودرجة النضج في شخصية الزوجين ، وحسب حالة التربية ومستوى الثقافة ، وهي أمور قد تنمو وتكبر مع الأيام ، ثم تتضخم وتتطور بعد ذلك إلى انفجار ؛ يُنهي العلاقة الشرعية إلى الأبد. يقع الخصام ، ويحدث النزاع ؛ بعد أن ينفخ فيهما الشيطان نار الغضب ، وتقع الكارثة ، وتحل المصيبة ؛ إذا ضاق الصدر لديهما ، ونفد الصبر بينهما ، ليصل الحال إلى اشتعال العداوة ، وتفكك الأسرة ، وضياع الأبناء ، وحدوث الاضطرابات ، ووقوع الإشكالات. عندما تعيش الأسرة على مناوشات مستمرة ، وصراعات متكررة ؛ تصبح على قهر ، وتمسي على كدر ، فأي نفسية سيكون عليها أفرادها ، وماذا سيجدون في يومهم ، وماذا سيجنون في حياتهم؟! وإن وراء الخلافات الزوجية ، عوامل كثيرة ، ومسببات عديدة ، فالزوج يشتكي من الزوجة ؛ التي لا تعتني برعايته ، ولا تعمل على تلبية احتياجاته ، ولا تستجيب لتعليماته ، ولا تأخذ بتوجيهاته. والزوج يعاني من زوجته العصبية ، النكدية ، العنيدة ، المتسلطة ، التي تعارض أقواله ، وتعصي أوامره ، وكذلك تلك التي لا تعتني بشؤون الأبناء ، ولا تهتم بأمور الأسرة. ويشتكي الزوج من زوجته ؛ إذا كانت مهملة لنظافتها ومظهرها ، أو تمتنع عن فراشه ، أو تنظر إلى غيره ، ولم تقنع بحالها ووضعها وما قُدِّر لها. كما يتضرر الزوج من زوجته ؛ التي تؤذي أهله ، ولا تحترم أقاربه ، ولا تحرص على التواصل معهم ، أو تكون شديدة الغيرة ، كثيرة الشك ، أو تعاني من مس شيطاني ، أو مصابة باضطراب نفسي ، أو اعتلال جسمي. أما الزوجة التي تطلب الخلع من زوجها ؛ فتبرر ذلك بقولها : إن الزوج شحيح في النفقة ، بخيل في العطاء ، يفتقد سكنها لمقومات الحياة الضرورية ، والمتطلبات الأساسية ؛ ولذلك تسعى إلى التخلص من هذه المعيشة. كذلك تريد الزوجة الهرب من بيتها ؛ إذا كان زوجها يضربها ، أو يسعى إلى إهانتها ، أو يعمل على إذلالها ، أو عندما يقوم بسرقة مالها ، أو يستغلها مالياً ومعيشياً. أو عندما يتدخل أهله في حياتها ، وشؤونها الأسرية ، وأمورها الخاصة. أو عندما يكثر الزوج الخروج من المنزل ، أو عندما يتزوج عليها ، ولا يقوم بالعدل بين الزوجات. أو حينما يكون الزوج ناقص الدين ، تارك للصلاة ، يتعاطى المسكرات والمخدرات ، أو يرتكب المحرمات ، والعلاقات الشاذة. أو عندما يكثر السفر والاغتراب ، أو يكون مسجوناً ، أو يكون مصاباً بمرض من الأمراض المزمنة. ولعل الفاحص لأسس الخلافات بين الزوجين ؛ يجد أنها تفتقد السكينة والألفة ، وتفتقر المودة والمحبة ، لكنها متشبعة بالأنانية وحب السيطرة ، وممتلئة بالخشونة والاندفاعية ، ومحاطة بالصورة المثالية ؛ التي يستحيل وجودها في الإنسان ، ومادام الزوجان يهملان الواجبات المفروضة ، أو يجهلان الحقوق المطلوبة ؛ فإن الخلافات ستظل تخيّم على عش الزوجية! ألا يعلم الزوج أن من أكثر وصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم ؛ الإحسان إلى الزوجة : (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه) ، (خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي) ، (اتقوا الله في النساء ، فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف) ، (إنما النساء شقائق الرجال ، ما أكرمهن إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم). ألا تعلم الزوجة أن طاعة الزوج مقدم على كل طاعة ، فهو السبيل إلى إسعادها ، وإسعاد بيتها : من الأحاديث النبوية الصحيحة : (... فإنما هو جنتك ونارك) ، (لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ، (إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحصنت فرجها ، وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) ، (أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) ، (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته ، فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح) ، (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة). فمن أجل حياة زوجية آمنة ومستقرة ؛ احرص أولاً على أن تعطي قبل أن تأخذ ، وأكثر في تعاملك من المدح ، واقتصد في النقد ، وتجنب ما يثير الاستفزاز ، ويشعل الخصام. ثم اعمل عند الصدام ؛ على ضبط الانفعال ، وقدّم التنازلات ، اترك المثالية ، وترفع عن الصغائر ، اعتذر عن أخطائك ، ولا تذكر الأخطاء الماضية ، عليك بالمفاهمة الهادئة ، والمحاورة الحكيمة. احصر النزاع في دائرة ضيقة ، إلا إذا تأزمت الأمور ؛ فيمكنك الاستعانة بطرف ثالث عادل ، يقوم بالإصلاح والتوفيق بينكما : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما إن الله كان عليمًا خبيرًا).