القضية التي كسبها سمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز ضد صحيفة (الإندبندنت) البريطانية ذات أبعاد سياسية ومهنية وقانونية مهمة جدا ، أتصور أن على إعلامنا المحلي بكل وسائله التقليدية والحديثة أن يتأملها ويستفيد منها في مستقبله ، بل وعلى مُشرع الأنظمة الإعلامية أن يستفيد منها , فإذا استبعدنا الكيدية أو التقصُد والتصيد في الموضوع من أساسه ، فإن (الإندبندنت) وقعت ضحية فهمها غير الدقيق لسياق الأحداث العربية ، فهي تعودت أن تجد وزارات الداخلية في كل الأنظمة التي شهدت ثورات ومظاهرات لايخرج دورها عن قمع وقتل الشعوب ، فاعتقدت الصحيفة أن هذا القياس يسري على المملكة ، ولذلك لم يمحص مراسلها الوثيقة التي عثر عليها في أحد مواقع النت ، ولم يكلف نفسه عناء قراءة السياسة الداخلية للمملكة ، ولا تاريخ الحكم فيها مع أنه (المراسل روبرت فيسك) من الضليعين في متابعة الواقع العربي ، ولذلك وثقت فيه صحيفته ونشرت ماكتب دون أن تدقق في الوثيقة المزورة التي استند إليها ، هذه الحقيقة تقودنا إلى ضرورة التأمل في مواقع النت المختلفة من جهتين: أولاهما أن التقنية الحديثة تتيح إمكانية تزوير أي شيء سواء كان صورا أو وثائق رسمية أو معلومات ، مما يتطلب مهارات فائقة للتأكد ، ولأن هذه المهارات ليست متوفرة لأي أحد فمن واجب كل من يحترم نفسه سواء كان فردا أو وسيلة إعلامية تقليدية أو إليكترونية ألايسلم بكل مايجد في الشبكة العنكبوتية ، بل عليه أن يتريث إن كان فردا ، وأن يعود للجهة المعنية إن كان وسيلة إعلامية للتأكد من المعلومة أو الوثيقة أو الصورة ، فلو أن مراسل (الإندبندنت) فعل ذلك – وهو قادر والمتحدث باسم الداخلية كان سيجيب عليه كما يفعل دائما – لما أوقع نفسه وصحيفته في فضيحة الكذب التي حدثت ، وهي فضيحة ليست سهلة على أي وسيلة إعلامية تحترم نفسها ، وهناك – أقصد بريطانيا – قضاء يفرض على الوسيلة التي ترتكب مثل هذه الفضيحة ما يؤدبها ، ويحملها على الاعتذار غصبا عنها ، وبالصيغة التي تُنصف المتضرر مع غرامة مالية مجزية ومُؤدبة ، تجعل الصحيفة ومراسليها في غاية الدقة والحذر من الوقوع في مثل ذلك مستقبلا. سمو النائب الثاني لم يكن بحاجة إلى مقاضاة (الإندبندنت) من أجل تكذيب الوثيقة أمام الشعب السعودي ، فهو يعلم ويثق أن أحدا في الداخل لن يصدقها بحكم معرفتهم بطريقة وآلية الحكم في المملكة ، لكنه أراد من مقاضاة الصحيفة البريطانية تأديب الإعلام الدولي ، سواء كان مراسلوه مُغرضين مُتصيدين أو مجرد مستعجلين غير عارفين بسياقات السياسة المحلية وآليات ووسائل الحكم ، هذا من جهة ، ومن الجهة الأخرى فبصورة غير مباشرة قدمت الحادثة كلها أنموذجا للإعلام السعودي كله بمختلف وسائله التقليدية والإليكترونية يدعوه إلى تحري الدقة ، سيما في ظل طفرة تدفق المعلومات التي تحتاج إلى تمحيص وإلى قدرات مهنية عالية ترصدها وتتعامل معها وتتأكد منها ، ليس فقط تحاشيا للوقوع تحت طائلة العقوبة النظامية ، وإنما أيضا وقبلا استشعارا لواجب أخلاقي ووطني من الخطورة بمكان التساهل فيه ، وهو مايستدعي بالضرورة إعادة النظر في مستوى الكثير من العناصر الإعلامية ، وفي الوسائل التي يتخذونها والآليات التي يتبعونها ، قضية (الإندبندنت) تأديب دولي وتحفيز محلي ومن شاء أن يعتبر ويتعظ فليفعل ، فالإعلام سلاح خطير لايجوز أن يكون بيد من لايجيد استخدامه ، حتى لايضر نفسه ولا يؤذي الآخرين.