هذه سطور خطتها يد الملك المؤسس عبد العزيز رحمه الله، يقول فيها: (على كل فرد من رعيتنا يحس أن ظلماً وقع عليه أن يتقدم إلينا بالشكوى. وعلى كل من يتقدم بالشكوى أن يبعث بها بطريق البرق أو البريد المجاني على نفقتنا. وعلى كل موظف بالبريد أو البرق أن يتقبل الشكاوى من رعيتنا. ولو كانت موجهة ضد أولادي أو أحفادي أو أهل بيتي. وليعلم كل موظف يحاول أن يثني أحد أفراد الرعية عن تقديم شكواه ، مهما تكن قيمتها ، أو يحاول التأثير عليه ليخفف من لهجتها ، أننا سنوقع عليه العقاب الشديد. لا أريد أن أسمع عن مظلوم ، ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد ، أو عدم نجدة مظلوم ، أو استخلاص حق مهضوم ! ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد). هذه الروح عبّر عنها خادم الحرمين الشريفين عندما توعّد بإعلاء (سيف العدل لضرب هامة الجور). ما الدرس المستقى من كلمات المؤسس الأول في زمن كانت تغلب عليه البساطة والتسامح إلى حد كبير ، إذ كان التعارف سيد الموقف ، فقلما كان بين السكان غريب ، وندر أن يتجرأ أحد على ظلم أحد بالصورة التي نعيشها اليوم وبالقدر المقلق الذي يتعرض له البعض اليوم. هذه القوة في البيان ، وذلك العزم على الإنفاذ ، مصحوبة بهيبة السلطان تنبئ عن شخصية فذة فريدة أسلم الله لها هذا الكيان الكبير ليستمسك بالأساس القويم لكل ملك ، وهو العدل ، به قامت السماوات والأرض وبه يُفصل بين الناس في الدنيا ، وبه يكتمل الفصل يوم تجتمع الخصوم في ساحة القيامة. رفع الظلم من أولى واجبات الحاكم. ولذا سعت الحضارة المعاصرة إلى فصل سلطة القضاء ليستقل تماماً ، وليكون للحق حامياً وللجور رادعاً وللعدل ضامناً. وعندما يكتمل بنيان السلطة القضائية وتتضح معالمها وتُعلن آلياتها ومعايير أدائها ومصادر تمويلها بغير تدخل من أي سلطة أخرى .. عندها فقط يعلو شأنها ويقوى جانبها ويشتد عودها ، فلا يقوى قوي على استغلالها ولا ييأس ضعيف من عدلها ولا يتردد المسؤول عنها في ردع من يقصر في حقها أو يشوه سمعتها.