جُلتُ بسيارتي قبل فترة على المحلات والأسواق المحيطة بحيّنا السكني في حدود قطر (500م x 500م) ، وقفزت في ذهني بعض المخاوف شبه البريئة .. لقد وجدت أن مجموعة المحلات ذات الطابع الغذائي ، وفَّرت كل ما يحلو للمشتري مع فرصة تناول ما يريد في نفس المكان ، أو على الماشي ولكن كوجبة سريعة لا تتحمل البقاء طويلًا ..! وجدت محلين خاصين بالقهوة العربية مع جلسات في بيت شعر ، ومحلات للأطعمة الخفيفة التي اعتادت عليها بيوت الكثير من السعوديين بعد العصر والمغرب (سمبوسة ، لقيمات ،...) ، وقرابة خمسة محلات للشاي بأنواعه المختلفة ، وعددًا من (الكافيهات) التي تتيح للزائر مشاهدة البرامج الرياضية والمشفَّرة ، وفي ذات الحي تجد ملصقات وكروت ، لإعداد وجبات الغداء والعشاء المحضَّر في منازل ..! إن ثمة (غزوًا اجتماعيًا) يخفف على العائلة السعودية مؤونة اللقاء والأنس والاجتماع العائلي ، ويوفر لأفرادها فرص الخروج المستمر من المنزل ، لقضاء الوقت في التسلية والحوار والمشاهدة بعيدًا عن أجواء البيت والأسرة. فضلًا عن وجود السائق الذي يسهل معه الخروج لأي مكان ، تمشية وتسوقًا. وللأسف أن تكون كثير من العوائل في السعودية ممن يكرس هذه الثقافة الجديدة والخطيرة في أبعادها ، التي تفقد لذة البيت وما يصنع فيه والخطورة الأكبر أن هذه الجلسات اليومية والمفتوحة على كل شيء يخفف عن الأسرة دورها الاجتماعي ، لا مجرد تناول ما يسد البدن ، بل لها أدوار وظيفية أخرى ، ومن صور خطورتها طول السماع لكلام الفارغين ، ولهو العابثين ، ونكت اللاهين ، مع تعود مسلسل النقد واللوم والهروب المستمر من دور التربية ، ومراقبة العائلة ، والمشاركة في هموم الأسرة ، فضلًا عن تلبية حاجاتها النفسية والتربوية انتهاء بالحاجة المادية. إن النسب المخيفة عن الجرائم الناتجة من بيوت العوائل المشهود لها بالخير ، المعروفة تاريخيًا بالطهر والأمانة ، تدل على وجود تفكك أسري واضح ، وانعزالية شبه تامة بين الأجيال. في هذا السياق أتذكر أن أحد الأصدقاء - وكان وكيلًا لمدرسة كبرى ومشهورة في جدة ، يدرس فيها جل أبناء الوجهاء- ، قال لي: اكتشفنا أن (90%) من الشباب في الثانوية ممن اشتهروا بالمشاغبة ، والغياب المستمر ، والحركات الشبابية الغريبة شكلًا ومضمونًا مرجعها إلى أن أسرهم مفككة (طلاق)! إن تعامل المجتمع اليومي مع بعض مؤسساته الحكومية والخاصة ، فضلًا عن متابعة أساليب بعض الأنظمة العربية في التعامل مع شعوبها تدعو كل يوم ، بل كل لحظة إلى ارتفاع الضغط ، والإحساس بالقهر ، وطول التذمر. وإذا تركت النفوس لهذه المصائب المتتالية ، وهربت العائلة من السؤال اليومي عن أفراد الأسرة وهمومها ، والتذرع بالمشكلات اليومية في الوظيفة والشارع ، وبعض التصرفات الأمنية ، فحينها سيتحمّل الجميع أضعافًا مضاعفة من الضغط والقهر. ونحن كأمة مسلمة دورنا التربوي لا يعفينا من التهرب والتلاوم ، بل إن أكبر عملية في الحياة هي إخراج أجيال من محيط الأسرة في قمة الخلق والعلم والعمل ، والحرص على الإتقان ونشدان الكرامة. وما لم تقم الأسرة بكامل أدوارها ، مع التعايش العاقل في المستجدات ، فهي عائلة ينطبق عليها الشعار المصري: (هو إحنا عايشين) ؟!.